العنف لا يحتاج إلى تعريف فالأذى الذي يلحقه في الإنسان والطبيعة لا
يوصف، إلى متى سيظل العالم بين خيارين الواقع السيء والأسوى، وسيبقى
موضوع العنف المعمم لغة الدبلوماسية الناعمة، والخشنة، ترى قدر على
البشرية أن تعيد عصور الهمجية والانحطاط باعتبارها حصيلة حاصل لتطور
الإنسانية، بلبوس آخر مع الفارق في النتائج، وأعتقد أنها أكثر من كارثة
إنسانية تتربص بعالم اليوم، وهل الحروب القديمة، والحديثة، والصراعات
والنزاعات ستظل ترافق مسيرة حياة الإنسان وتطوره؟ لماذا تختفي الأسئلة
الحقيقية لبواعث العنف وأسباب ومحرضاته والمستفيد منه وكم هي هائلة
الميزانية التي تدفع لدائرة العلاقات العامة لتعميم العنف في العالم؟
ترى كم هي الفوائد الخيالية لهذا النهج والسلوك؟ والسياسة التي عرفت
البشرية كثيراً من التجارب اللاعنفية والسلمية؟ ولماذا منطقتنا العربية
لا تعرف سوى سلم الضعفاء، وجبروت الأقوياء، أعتقد أن موضوع الإرهاب،
والأصولية، ومفردات الخطاب بكل تلاوينه وخصوصياته وتحليلاته استبعد أهم
ركيزة في فلسفة القوة، وتحصيل الحقوق، واستثمار الروح الشريرة والمصالح
المفسدة في العالم، ومنطقتنا بشكل خاص، لازالت في تخبط وحيرة، إذا لم
نقل بعضهم محتار إلى أين سيعترف بهذا العالم لنصبح بفضل عوامل متعددة
خارج العصر، ونحن بلغة البعض مهد الحضارات الإنسانية، يقيناً أن
استراتيجية اللاعنفية تؤسس على قول جورج برنانوس لا يكفي أن نناصر الحق
في مواجهة الباطل بل يجب أن تنتصر على الباطل.
إن أهم ما يميز اللاعنف ضمن المواجهة الحالية بين الأفكار والعقائد
هو أنه لم يشغل مكاناً في التراث الثقافي الذي نشأنا عليه، وأياً تكن
مرجعيتنا الثقافية فإن الفكر الذي نحمل نشأ في ظل تقاليد تجهل اللاعنف
تماماً، بحيث أن هذه التقاليد تقيم وزناً كبيراً للعنف الذي يبدو
مقترناً وإلى حد بعيد بجملة فضائل مثل الشجاعة والجرأة والرجولة والشرف
والنبل والتوق إلى العادلة والحرية.
وبحيث يبدو العنف فضيلة بحد ذاته، ذلك لأن العنف محفوراً عميقاً في
قلب التاريخ إلى درجة بتنا نميل معها للاعتقاد بأنه محفور في قلب
الإنسان، ربما كان اللاعنف دون ماضي أو تاريخ.
إن مقاربتنا اللاعنف لن تكون جدية ما لم نأخذ بعين الاعتبار على
محمل الجد أول شرط يفترض أن تلبيه أي عقيدة لاعنفية هو سبر أغوار العنف
بكل أبعاده، وامتداده عبر التاريخ أتساع تشعباته النفسية والاجتماعية
والثقافية والروحية وتجذره في الوعي الإنساني كما ينبغي الذهاب إلى
أقصى الحدود في اختبار هذا الوعي الذي يستعرض العنف من خلاله كل عظمته
المأساوية، عندئذ فقط يصبح ممكنا طرح المسائل المتعلقة باللاعنف، وضمن
هذا السياق، ستكون الأعمال التي قام بها غاندي ومارتن لوثر كينغ ودعوة
المجدد الثاني الإمام الشيرازي (قدس سره) ستكون التجارب الأغنى، في
حاضرنا ومستقبلنا، وفي دراسة متخصصة، لموضوع اللاعنف من الضرورة
الأخلاقية إلى العمل اللاعنفي، قالت غالباً ما شهدنا تعارضاً تاريخياً
بين متطلبات العدالة الاجتماعية ومتطلبات الأخلاق لاسيما إذا كانت هذه
الأخيرة مبنية على قناعات دينية، وفي هذا السياق يبرز اللاعنف مرتبطاً
بمتطلبات الأخلاق أكثر من ارتباطه بمتطلبات العدالة، وتتجسد في المبدأ
الإنجيلي القائل (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر) ليبدو الأمر
لا يعدو إذا كونه شهادة للحق دون السعي لتحقيق تغيير ملموس في مجرى
الأحداث، ولئن كان منطق الاستراتيجية اللاعنفية يقضي بعدم رد الضربة
بالمثل، وبرفض التورط في دوامة العنف، فإنه يستوجب ليس فقط السعي لتجنب
الصفعة الثانية بل الأول أيضاً، لذا يفترض بالاستراتيجية اللاعنفية أن
تكون استراتيجية مقاومة يجب عدم الخضوع لإرادة عدونا وعدم تقبل
العذابات التي يسببها لنا بطريقة سلبية، علينا محاربة سلطته إلى أن يتم
التغلب عليها ودحرها، ورداً على مقدمة المقالة يذكر أن كانط أكد لا
يمكن أن يكون هناك صراع بين السياسة بصفتها تطبيقاً للحق، وبين الأخلاق
كونها النظرية التي يستوحى منها الحق، وقول غاندي في اختيار الوسائل
وكيفية استخدامها كتب غاندي الوسائل هي كالبذرة والغاية كشجرة، إن
الغاية موجودة في الوسيلة كما أن الشجرة موجودة في البذرة. |