لا أحد يستطيع أن يقدّر درجة ابتهاج الشعب العراقي جراء اعتقال صدام
ومدى الغبطة التي أحاطت بنفوس العوائل المظلومة التي أساء لها صدام
وفريقه السياسي الاستعماري ضمن تنفيذ خطة معاداة كل العراقيين
والعراقيات الشرفاء – فمجرد أن ظهرت لقطات صدام وهو مسدل لحيته القذرة
اتجه ألوف الناس إلى الصلاة وبعضهم إلى الصوم يوماً واحداً شكراً لله
على جميل صنعه الذي أدى إلى إلقاء القبض على صدام وبدأ كل مواطني
العراق يفكرون بمحاكمة هذا الجاسوس وشكل تلك المحكمة وإلى آخر ما يتعلق
بالجانب القانوني العادل الذي سينتهج بتلك المحكمة.
لقد أبدى كل شرفاء العراق ارتياحهم من اعتقال صدام ولكن كان ومازال
ارتياحاً يشوبه الحذر نظراً لمجهولية ما سيمكن أن تأتي به الأيام من
مفاجأة فمنذ تاريخ اعتقاله مازالت ردود فعل الأسرة الدولية تتراوح بين
إدانة صدام و تجريعه الحكم القانوني العدل بحقه وبين الاعتقاد أنه ربما
سيمتد نفوذ غربي أو صهيوني لإنقاذ حياته بطريقة فنية والآراء
والانطباعات حول هذه المسألة التي تبدو عويصة بعض الشيء نظراً لأن واقع
حال صدام هو تحت أمرة القوات البريطانية والأمريكية المشتركة المحتلة
للعراق الآن بشكل مباشر وباعتراف قيادتا لندن وواشنطن.
إن صاحب المصلحة الأولى في (محاكمة صدام) هو الشعب العراقي ويتعين
على القيادتين البريطانية والأمريكية أن تدركا أن انتهاج خطوات عادلة
بهذا الشأن لصالح إجراء محاكمة صدام داخل العراق من قبل محكمة عراقية
وطنية قانونية مستقلة هو ما يمكن أن يولد انطباعاً لدى العراقيين أن
هناك فعلاً ما يمكن تصديقه أن شعار السياسة العالم الجديد الذي رفعه
الغرب قد أخذ بالتطبيق على أسس عادلة وربما فتح هذا طريقاً لصداقة
متكافئة ليس بين الحكومات العراقية المقبلة مع الحكومات البريطانية
والأمريكية القادمة بل وربما مد جسور المصالح المشتركة المتكافئة
الخالية من أي تبعية يتنازل عنها العراقيون لصالح الغرب.
وما تم حتى الآن بالعراق لا يكفي لإعطاء تقييم أخير لما جرى ويجري
من أوضاع مربكة على وجه العموم، قبل أن يقف الشعب العراقي على نوع
ومكان صدام وعناصر عصابته الاستعمارية الذي يفترض ان يقدموا إلى
محاكمات ترقى إلى مستوى (محكمة نودينبرغ) التي أقيمت ضد النازيين بعد
الحرب العالمية الثانية إذ لا يتحمل الجانب النفس عند العراقيين إلا
محاكمة صدام ضمن محكمة عراقية صرفة وفي العاصمة بغداد وأن تكون تلك
المحكمة علنية ومنقولة على الفضاء (صورة وصوت) إلى العالم.
ورب تساؤل سياسي من قبيل ما سر الاهتمام المتوالي الذي يقترفه بعض
جهال ومرتزقة السياسة خارج العراق من الإيحاء وكأن صدام كان وطنياً أو
قومياً وبالذات أولئك المندسون على الأجواء الإعلامية والمستغلين
لبرامجها حتى المنتهي السلبي ممن متاحة لهم الفرص ليقدموا ترهات آرائهم
الواضحة في الميل لصدام وعناصره المجرمة والذي لا يعني سوى معاداة
الشعب العراقي.
إن العديد من عناصر النظام السابق مازالوا مطاردين من عتاة الجريمة
السياسية المنظمة من قبل الدولة التي قادها صدام على طريقة عصابات
تكساس ولم يعتري أحد منهم بأن يسميه الناس بـ(مسؤول) لكن إداء مهامهم
مع الناس كانت توحي تماماً أنهم ضد العراقيين من السياسيين أكثر من
الأفراد السياسيين.
لذا فإن تقييم الأحداث السابقة المارة بالعراق ليس موضوعاً للجدل
وأن استقبال أنباء محاكمة صدام إذا ما تمت داخل العراق غير قابلة
للمضاربة بالمشاعر والمحكمة على أي حال هي شكل قانوني والتزام به
لإضفاء صفة الالتزام الأخلاقي الذي لا يجيز فيه اتخاذ إجراء لتجريم
مجرم كـ(صدام) ولكن بواسطة محكمة ومن باب تأكيد وقوع تلك الجرائم التي
حدثت واللاقابلة لأي تأويل أو تحريف.
والعراقيون الذين ينتظرون أن يحتفلوا بيوم إجراء محاكمة صدام
ليحذوهم الأمل أن تتظافر كل جهود أخيار العالم من أجل ضمان البدء بتلك
المحكمة المؤمل إجراءها في السنة القادمة 2005م على أسس شرعية بعد أن
أضحى الحال السياسي الآن داخل العراق يتطلع لأن تنعكس الحقيقة كاملة
لمعرفة من هو صدام وماذا اقترف من جرائم ومعرفة دوره المشبوه بالكامل
وهذا يعني أن محاكمته ينبغي أن تكون شاملة حول تحديد ما قام به من
جرائم سياسية سواء تلك التي اشرف عليها بنفسه أو تلك التي أمر بالإيعاز
لتنفيذها ومن الثابت بحسب وكالات الأنباء العالمية أن وكالة
الاستخبارات الأمريكية CIA هي التي تولت التحقيق الأولي مع صدام
بمشاركة مع المخابرات البريطانية.
لا شك أن في محاكمة صدام ستكون هناك أكثر من مفاجأة وخصوصاً المسألة
المثيرة للسخرية التي أدعى بها صدام بكل بطلان انتساب أصله إلى السلالة
النبوية الشريفة ومن المعلوم لدى الوسط الديني الإسلامي العراقي أن
صدام كان قد أجبر بعض من يسمون أنفسهم بالعلماء خطأً لإجراء تزوير فاضح
لشجرة سلالة النبي محمد (ص) حين تجرأ هؤلاء السلبيون لمحاولة تكحيل نسب
صدام اللامعروف الأب وأكيد فهناك أمور أخرى ينبغي أن تبحث حول معرفة
شخصية صدام الطاغية السخيفة. |