تتناقل هذه الأيام داخل العراق نغمة نشاز تطلق
عليها ظلماً تسمية (المصالحة الوطنية) وما يحاط بهذه المصالحة من كتمان
أكثر مما هو معلن حتى الآن لذلك فمن غير المستبعد إذا ما فرضت تلك
المصالحة المزعومة التي سوف لن تكون مصالحة وطنية تحت أي ظرف لأن
المواطنين العراقيين المعتدى عليهم وعلى أفراد عوائلهم وأعراضهم
وأموالهم سيبقون الطرف الخاسر منها في حين أن الرابح من تلك المصالحة (الفضيحة)
سيكونوا هم ذاتهم إرهابيو سلطة صدام وهذا سيعني أن هناك ازدواجية في
الطرح الغربي حول العراق مادامت الغاية من تلك المصالحة لا تعطي حقاً
لمظلوم بل تكافئ الظالم على جرائمه وتعفيه من عقوباتها القانونية
والأكثر من ذلك تشجعه كي يقترف جرائم جديدة سترعى نماءها الدولة
العراقية الجديدة بطريقة فنية والتي سترعى ولأول مرة في التاريخ إجراء
مصالحة تفرض على المظلوم كي يتقبل بكل خنوع إعلان راية استسلامه وربما
سلمه أمام بلطجة الظالم العائد إلى دست الحكم مع فارة بسيط وهو إبقاء
التهديد بأزلام الحكم الصدامي السابق والتلويح بإرهابهم لكل من لم
تعجبه فروض القوى الأجنبية التي ربما ستمثلها قوى الاحتلال – التحالف
الأنكلو – أمريكية أو غيرها من القوى الدولية وبتفصيل أكثر فإن استبدال
وجه صدام ذو القسمات التي تشبه (الهر النحس) بوجه لقائد آخر وطني أو
شبه وطني أو حتى لا وطني مسلوب الإرادة سيزيد الطين بلة في العراق
وسياساته القادمة.
إن التلويح بقرب إجراء (المصالحة الوطنية) بين
القوى السياسية إذا ما جرت وقبلت بها تلك القوى التي كانت يوماً ما في
الماضي معارضة لحكم صدام وفريقه السياسي المشبوه هي كانت تعلم تماماً
أنه حكم مشبوه وأن موافقتها لإجراء المصالحة أزلامه مهما كانت
الإدعاءات والتبريرات ففيها إقرار رسمي يعترف بوطنية هؤلاء المجرمين
الذين كانوا أدوات إرهابية يستقوي بها النظام السابق ضد الشعب العراقي.
من ناحية استكمالية لمعنى كارثة ما يسموه الآن
بـ(المصالحة الوطنية) التي سوف لن تكون وطنية بأي حال من الأحوال بسبب
كون أزلام النظام السابق وفي الحد الأدنى من كشف الهوية الحزبية لأي
فرد فيهم قد ساهم بدعم سياسات النظام السابق التخريبية والإجرامية دون
أي وازع من ضمير، ولعل من أبشع انعكاسات المصالحة المذكورة إذا ما تمت
فسيعني ذلك صراحة ومن الناحية العملية غلق أبواب الاقتصاص القانوني من
كل من أهان شعب العراق وأساء لأبنائه قتلاً أو سجناً أو تعريضاً للخطر
أو تشريداً وإلى آخر قائمة المآسي التي أحدثها النظام الصدامي السابق
وفريقه السياسي المختارون من تجمعات المنبوذين اجتماعياً والمشبوهين
أخلاقياً بدأ من رأس النظام السابق اليهودي الأصل صدام والحثالة
المحيطة به.
وحتى لا يقال أن قوى التحالف – الأحتلال الأنكلو
– أمريكية قد أصبحت طرف في حماية الجريمة السياسية في العراق وستكون
كذلك في المستقبل فإن على القيادتين الغربيتين في (لندن) و(واشنطن) أن
يعيا أن تجربة ادعاءتهما في الإشراف بالاتيان بسياسات بناء العالم
الجديد سوف تفضح كل أطروحتهما الخاصة بالنظام العالمي الجديد إذا ما
أخفق في العراق وعملا على فتح صفحة (المصالحة الوطنية المزعومة) نظراً
لافتقار تلك المصالحة إلى روح العدل والإنصاف وان الإصرار على فرض مثل
هذه المصالحة انطلاقاً من الاعتماد على قوتهما أمام ضعف الشعب العراقي
الآن سوف يفقدان احتمال صداقة معهما إذا وفيا بالبرهان على إبداء موقف
نزيه مع العراقيين وحررا عقليهما من ألاعيب السياسة إذ ينبغي على كل
القوى الأجنبية في العراق أن تطبق الغاية المعلنة من وجودها في البلاد
(فما هكذا تورد الإبل) يا لندن وواشنطن فلقد ولت عهود فرض القوة
بأساليب مكتوبة وأن انفجار الشعوب ضد أعدائها ينبغي أخذه بحسبان العقل
بما في ذلك انفجار الشعوب الغربية ذاتها التي ستلاحظ أن حكومتا
العاصمتين لندن وواشنطن قد ضربتا عرض الحائط كل ما كانتا قد وعدت به
الشعب العراقي إذا ما أعطت الحماية (مصيبة) لأزلام صدام أصحاب تنفيذ
حكم الموت بأكثر من (4) ملايين عراقي وعراقية وأصحاب (المقابر الجماعية)
وأصحاب الأموال الطائلة المسروقة من خزينة العراق.
إن ثوابت سياسة النظام العالمي الجديد تتعرض
اليوم في العراق إلى اهتزاز شديد وأن حل المشكلة العراقية لا تصلح أن
تخضع لسياسة (العرض والطلب) السياسي وأن مجرد تحقيق خطوة المصالحة
المزعومة بين القوى السياسية وأزلام النظام المجرم سيعني تماماً وبصورة
غير قابلة لاي تسمية سوى الكشف أن قوى التحالف – الاحتلال كانت مبيتة
مع النظام السابق كل شيء وأنها قوى دولية ضد العراق شعباً ووطناً وهي
تعتمد على قوى الشر والعدوان والخيانة في العراق وهذا ما لا يريد قوله
لا الشعب العراقي ولا الشعب الإنكليزي ولا الشعب الأمريكي ولا الرأي
العام العالمي (حالياً على الأقل) بحق قيادتي لندن وواشنطن اللتان
ماتزال تدعيان بأنهما أرادا إجراء التغيير السياسي في العراق كي ينعم
شعب العراق بالحرية والديمقراطية والسيادة كبديل افضل من حكم الإرهاب
الذي كان ينتهجه نظام صدام وفريقه السياسي وباعتراف كل من توني بلير
رئيس وزراء بريطانيا وجورج بوش رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وإلا
فما الذي حدث؟! |