التجديد مسألة حيوية في الفكر الإسلامي ، وهي
عملية لا تتحقق دون إزالة الكثير من الرواسب التي علقت بنقاء الفكرة
الأساسية ، ودون مراجعة الأسباب والأزمات والحوادث التي أدت إلى إنحراف
الفكرة أو الممارسة عن طريقها القويم ، وهو ما يتطلب مواجهة للكثير من
المسلمات الفارغة من المضمون ، والتي تكونت كمسلمات فكرية نتيجة "
تقادم الزمن " لا أكثر ، ورسخت أغلبها جراء سيادة أجواء الصراعات
وإنكباب كل طرف على تراثه وثقافته ومحاولة تمييز نفسه عن الآخرين .
والتجديد لا يتوقف عند الفكر الإسلامي ، بل يشمل
كل أوجه الحياة ، حياتنا كلها يجب أن تتجدد ، كل شيء فينا وحولنا يتعرض
للتحول المستمر ، سواء أردنا ذلك أو لم نرد ، واجهنا أو إستسلمنا ،
قبلنا أو رفضنا ، فإذا أخذنا زمام المبادرة سار التصحيح عبر قنواته
الصحيحة وإرتقى نحو أهدافه بصورة واضحة المعالم ، أما إذا تباطئنا
فسيفرض علينا التغيير من خارج الدائرة وربما تتعكر المسيرة .
ويبدو أن حركة التصحيح في مجتمعاتنا تسير بصورة
متعثرة ، الخوف والقلق هو المناخ السائد من أي نقد تتعرض له كتبنا
الثقافية أو شخصياتنا السياسية أو ممارساتنا الدينية ، وتسليم العقل
للآخرين ( إستقالة العقل ) هو أفضل الحلول التي نلجأ إليها عادة للهروب
من الحقائق الدامغة التي تضرب الأوهام العالقة في نفوسنا .
وتشجع الثقافة السائدة على الإنسياق والتبعية
لما يعرف بالنخبة ، سواء جائت على هيئة حكومة تصر على تمثيل رأي
المواطن ، أو عالم دين يفكر بدل الفرد المؤمن ، أو قبيلة تقرر نيابة عن
أبناءها ، وفي كل الحالات ثمة يافطة تقول للأتباع ( دع عنك التفكير ،
نحن نفكر بدلا عنك ونعطيك أفضل النتائج لتفعلها ) .
في المقابل ستجد اكاديميين على درجة عالية من
الثقافة يتعاركون مع غيرهم حول قضايا هامشية أو فرعية عديمة الفائدة ،
ويؤكدون على انها أهم القضايا رغم أنه لم يثبت بأي صورة فائدتها أو
آثارها الإيجابية ، أو يصرون على ترديد أفكار عن الآخرين بطريقة غريبة
لا تستطيع أن تقبلها من إنسان جاهل فما بالك بأطباء أو مهندسين أو
أصحاب كفاءة علمية ، وهو الأمر الذي لا يقتصر على الفهم الديني بل يمتد
إلى مساحات أوسع ، لتجد بعض المثقفين يتحدثون عن الشعوذة مثلما تتحدث
العجائز عند الظهيرة ، أو يتحدثون عن الأساطير والخرافة حديث المؤمن في
محراب العبادة .
على أن أي ممارسة نقدية ستجابه بالكثير من
التوتر والضيق ، وسيرفع أمامك الآخرون الكثير من الصحائف للتدليل على
رجاحة رأيهم وإن بدا خارج نطاق المعقول والمنقول ، وإلا كيف يمكن لنا
أن نقر بصحة عمل يؤدي إلى فرقة الأمة بدعوى الدفاع عن جزئية مذهبية ؟
أو بسلامة طباعة ونشر ( كتب الجدل المذهبي ) ونحن نعرف من خلال الرصد
العميق أن إنعكاساتها السلبية على الآخرين أكثر من فوائدها ؟
سيكون مشروعا مثلا التساؤل عن عدد أولئك الذين
غيروا مذهبهم بعد أن قرأوا مثل هذه الكتب ؟ عشرة أشخاص ، أكثر ، أقل ؟
وهل يستحق هذا العدد حشر مجتمعاتنا في أزمات طاحنة وتوترات مزمنة ؟ ألم
تؤدي مثل هذه الكتب والنشرات إلى إشاعة الحقد والكراهية المتبادلة ؟
مؤدى هذه الكتب بعيد تماما عن أهداف الدين ، فمن
أهداف الدين إشاعة المحبة وروح الإتفاق والتراحم بين أبناء المجتمع ،
والإبتعاد عن كل ما يسبب الفرقة والإختلاف والضعف والتفكك ، وهذه الكتب
تؤدي لعكس ذلك تماما ، وعليه فلا بد من نبذ مثل هذه الكتب وراء ظهورنا
..
الكثيرون سوف يعلنون عن دهشتهم وقلقهم جراء هذا
الطرح ، وسيبدو معيبا عليك أن تواصل حركة النقد الذاتي رغم أهميته التي
يقر ويعترف بها الجميع ، ويتصاعد الشعور بالقلق إذا تلبست الآراء أثواب
القداسة والنزاهة ، رغم ان أكثر الآراء لا تمتلك أي قداسة تذكر ، ولكن
صفة قائلها وموقعه ( العلمي أو الإجتماعي) يضفي عليها بعدا مقدسا يصعب
طرح آراء مقابلها ، وستحاول الكثير من الأطراف إستغلال هذه الهالة
المفتعلة لغلق منافذ التنوع الثقافي ، وقسر الناس على تبني قوالب فكرية
جاهزة .
كاتب كويتي
AHMED_HJ@HOTMAIL.COM |