قبل تسطير الكلام عن حقيقة المعتقد السياسي ما
بين اليهودية والصهيونية اللذان انتجا تأسيس كيان دولة إسرائيل لا بد
وأن تكون هناك نظرة تجريدية لما أحدثه ذلك التأسيس وما تركه من آثار
مربكة على عموم المنطقة العربية ومما يمكن أن يهدد ذلك الوطن والشعب
العراقيان أيضاً.
لو تم الرجوع قليلاً الى منشأ الفكرة الصهيونية
منذ انعقاد المؤتمر التأسيس الأول للصهيونية في مدينة بال السويسرية
سنة 1897م ومروراص بإصدار بريطانيا وعد بلفور سنة 1917م الذي نص على
العمل لإقامة وطن لليهود في فلسطين وثم إعلان قيام كيان دولة إسرائيل
في 15 آيار (مايو) سنة 1948 لتبين أن محور الصراع السياسي والعسكري
الذي أربك المنطقة العربية برمتها هو ذلك التأسيس إذ شهدت عدة حروب
رئيسية خلال السنوات 1948م 1956 و1973م كانت خلاصاتها تسجل تركيزاً
لكيان إسرائيل في المنطقة.
وبحسب الانطباعات العسكرية على وجه التخصيص أن
الجيش العراقي كان مرشحاً لأن يخوض معركة فاصلة تنهي هذا الوضع المربك
لصالح شعب فلسطين واليهود من سكان فلسطين (فقط) لو كانت هناك توجهات
عسكرية جادة لدى سلطة الانقلاب 1968م في العراق حيث تم توصيل كل من (أحمد
حسن البكر) و(صدام التكريتي) اليهوديان الأصل اللذان سبق وأن أسلما
جديهما (أي أعلنا اعتناقهما دين الاسلام زوراً وبهتاناً بيد أن ذلك ظهر
واضحاً من خلال تمثيلية معاداة حكم صدام لإسرائيل وبنفس الوقت معاداة
هذا الحكم الاستعماري للشعب العراقي بآن واحد مما يرفضه أي عقل راجح إذ
أن البديهية السياسية تقول لا يمكن لحاكم وطني أن يعادي شعبه وبنفس
الوقت يستقوي بهذا الشعب على أعداء حكمه كما كان إعلام صدام يصور
إسرائيل وكأنها عدوة لصدام وحكمه الذين يقوده جوق من الأفراد المشبوهين
الذين يفتقرون الى أي تاريخ وطني او نضالي حقيقي في العراق، وهكذا
فاللعبة السياسية داخل العراق بقدر ما انكشف أسرارها على كون صدام
وفريقه السياسي هم على رأس قائمة العملاء داخل العراق وتبع ذلك من
إجراء عمليات التغيير لذاك الحكم على ضوء مقتضيات السياسة الدولية
الغربية الجديدة في العالم النامي على ضرورة ردم هوات الحكومات
الإرهابية المعادية لشعوبها ذاتها.
فإن ما يلفت النظر أن المعتقدان السياسي بالنسبة
للصهيونية والديني بالنسبة لليهودية قد فرغامن التوحد في بودقة التدخل
الفضي في العراق الراهن وهذا ما يعتبر اعتداءً على السيادة العراقية
فإسرائيل اليوم تعيش على اسطورة قوتها العسكرية التي ستخونها يوماً
ويدفع الإسرائيليين اليهود والصهاينة منهم معاً الثمن غالياً في العراق
إذا ما استمرت إسرائيل عن أي طريق لموضع قدم لها في العراق الذي سيكون
حتماً بموقف حيادي على صعيد المستقبل من إسرائيل لو أتمت الأخيرة إتمام
المفاوضات مع الفلسطينين وانبثاق دولة فلسطين على أرض شعب فلسطين إذ
ليس من المعقول حينئذ أن يتدخل العراق تحت اي حكم قادم فيه في قضية
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إذا ما أشرف على نهايته التي تحظى بذوي
العلاقة الذي هم شعب فلسطين.
أن الأخبار الواردة عن العراق حالياً لا تبشر
بأن إسرائيل تنظر للعراق بنظرة عادية كـ(حال) نظرتها للبلدان العربية
والبلدان الاسلامية الأخرى لذلك فقد وافقت حكومتها على استغلال ظاهرة
عدم وجود دولة في العراق، وزجت بأعداد من يهودها وصهاينتها وغررت بهم
كي يتواجدوا على أرض العراق فلماذا؟
صحيح أن التدخل اليهودي – الصهيوني في العراق
عبر أفراد من هؤلاء الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بالسر ويبرزون أو
يدعون إذا اقتضى الحال على كونهم من جنسيات غربية أخرى فهذا ما ينبغي
أن تعيد إسرائيل النظر به كما أن على قوات الاحتلال البريطانية
والأمريكية أن تدرس هذا الموضوع جيداً من كل جوانبه إذا ما أرادت أن
تكون هناك صداقة حقيقية بين العراق المقبل مع الغرب فيكفي ما أصاب
العراقيون من ويلات وأن دفع عجلة الديمقراطية وتحقيق وضع مستقر بحسب
وعود القيادتين بكل من لندن وواشنطن تقتضي تقديم البرهان العقلاني الذي
يبعد المجتمع العراقي عن أي ألغام بشرية تحمل الجنسية الإسرائيلية، وأن
الغرب يضم بلدان غنية فإذا كانت نية المحتلين البريطانيين والأمريكان
هي مساعدة إسرائيل حول أي جانب فلا ينبغي أن يكون ذلك منعكساً على
مصلحة العراق.
لا شك أن الرأي العام العالمي ومنه الرأي العام
في العالم العربي والاسلامي يعرفون جيداً أن معاهدة عسكرية استراتيجية
قد تم التوقيع عليها منذ سنوات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لكن ذلك
لا يحق أن يجعل الغرور بامتلاك السلاح القوي مدعاة لاستصغار ما يمكن أن
يأتي به المستقبل لصالح الشعب العراقي المظلوم. إن العراق وطن
للعراقيين فقط ولن يبقى مباحاً للأجانب وهكذا يقول التاريخ. |