تخطى فيلم (الام المسيح) "The Passion of The
Christ" لميل جيبسون المحاذير الاسلامية وحقق نجاحا كبيرا في العالم
العربي والفضل في ذلك يرجع في الاغلب الى ضجة الاحتجاجات اليهودية التي
زادت من الاهتمام بالفيلم المثير للجدل.
وقال نقاد سينمائيون ان غضب اليهود من الفيلم
شجع فيما يبدو الحكومات العربية المحافظة على الاستغناء عن دور الرقيب
وعرض الفيلم كاملا دون اي حذف.
امتلات دور السينما التي تعرض الفيلم وهو من
اخراج وانتاج جيبسون ويصور عملية صلب المسيح بالتفصيل بالرواد منذ بدء
عرضه الاسبوع الماضي في المنطقة التي يتصاعد غضبها من اسرائيل الدولة
اليهودية التي تحتل الضفة الغربية وقطاع غزة منذ حرب عام 1967 ومن
مواجهاتها المستمرة مع الفلسطينيين.
وقال الفريد موتوا وهو ناقد سينمائي واستاذ
جامعي كيني يتخذ من دبي مقرا له "من الواضح انه ردة فعل لمزاعم
الحاخامين اليهود بانه فيلم سيء. اي شيء يقول عنه اليهود انه سيء يصبح
مثار اهتمام في هذا الجزء من العالم ويباع بسهولة."
وقال محمود درويش الناقد السينمائي المصري في
تعليقات نشرتها صحف عربية "الرقابة (السينمائية) تتصور ان الفيلم معاد
للسامية ولذلك يتعاملون معه بشكل مختلف."
وساهمت الاقليات المسيحية في مصر ولبنان وعددها
كبير في النجاح الهائل الذي حققه الفيلم في شباك التذاكر لكن الاقبال
على الفيلم لم يفت ايضا المسلمين كما لم ينتقد رجال الدين الاسلامي
الفيلم.
ويحظر الاسلام تصوير وتجسيد الانبياء. كما يحرص
رجال الدين الاسلامي على ان تحظر الحكومات الكتب والاعمال الفنية التي
يرون فيها تجديفا او اساءة للاسلام.
لكن رغم هذه المحاذير لم تحظر سوى دول معدودة
مثل الكويت والبحرين عرض فيم الام المسيح. اما في مصر وقطر وسوريا
ولبنان والاردن ودولة الامارات العربية المتحدة فقد حقق الفيلم نجاحا
كبيرا وقال موزعوه انه حقق ايرادات قياسية.
وحتى في المملكة العربية السعودية التي لا يوجد
فيها دور للسينما قالت صحف الرياض ان نسخا غير مشروعة من الفيلم تباع
سريعا.
ولم يتحدث الازهر ضد الفيلم رغم انه كثيرا ما
يطلب من السلطات حظر بعض الكتب والافلام التي يراها منافية للدين.
وقال علي السمان نائب رئيس لجنة الحوار بين
الاديان السماوية "نحن لا نتفق مع الفيلم لكن الازهر ليس جهة رقابة."
وصرح اياد طوال القس الفلسطيني بان رفض اليهود
للفيلم جعل الفلسطينيين يريدون مشاهدته. ويشن الفلسطينيون انتفاضة ضد
الاحتلال الاسرائيلي منذ ثلاث سنوات ونصف وهي قضية تثير مشاعر
المواطنين في العالم العربي.
وحاولت جماعات يهودية في الولايات المتحدة
واوروبا منع عرض الفيلم قائلة انه يحمل اليهود دم المسيح وقد يذكي
معاداة السامية.
لكن كثيرين من العرب لا يرون في الفيلم معاداة
للسامية بل تصويرا دقيقا لصلب المسيح.
وفي الاردن الذي يعيش فيه عدد كبير من
الفلسطينيين غادر عدد كبير من المشاهدين دور السينما وهم ينتحبون.
ويقول بعض المحللين ان الفيلم لم يكن سيعرض على الارجح لو لم تكن
التوترات العربية الاسرائيلية متصاعدة.
وقال المحلل مغازي البدراوي "الفيلم يتعارض مع
الاسلام ولو كان قد جاء في مناخ سياسي مختلف ما كان قد عرض."
وقد تدافع مئات الفلسطينيين الذين شدتهم الضجة
الاعلامية المحيطة بفيلم الممثل ميل جيبسون واتهام اليهود له
باللاسامية على شراء اقراص منسوخة للفيلم.
ولم يكن البعد السياسي غائبا في رغبة البعض في
الاراضي المقدسة في مشاهدة الفيلم حيث قالوا انهم شاهدوه تحديا لوجهة
النظر اليهودية وليس لاسباب دينية.
علي البطحة وهو طالب من جامعة بيرزيت الذي شاهد
الفيلم في البيت مع اصدقائه واحد من هؤلاء.
قال "كان لدي فضول شديد لمشاهدة فيلم اثار حنق
اليهود واهتمام النقاد ورجال الدين. وبعد مشاهدته وصلت الى قناعة بانه
فيلم تاريخي عظيم وانتاج سينمائي هائل يدحض اي اتهام باللاسامية."
وقال رجال دين مسيحيون ان مجموعة من الشبان
تمكنوا من تحميل الفيلم من موقع الكتروني عبر الانترنت ونسخوه على
اقراص ليتم بيعها فيما بعد في المحال التجارية والمراكز الدينية
والمدارس الخاصة.
ولا يجاوز سعر الفيلم "المقرصن" الواحد ما يعادل
أربعة دولارات مما يسهل اقتناءه.
كما قامت كنائس ومراكز دينية مسيحية بعرضه مجانا
خاصة في منطقتي رام الله وبيت لحم اللتين تقطنهما اغلبية مسيحية.
يقول محمد وهو صاحب مكتبة ان الطلب على الفيلم
فاق الطلب على افلام اخرى من انتاج هوليوود وان اقبال الناس من مسلمين
ومسيحيين كان لافتا حتى انه باع في يوم واحد عشرين نسخة.
ومضى يقول "اذكر جيدا كيف اندفع الناس لشراء
اشرطة الفيديو لفيلم تايتانيك قبل سنوات. وحال فيلم الالام المسيح شبيه
بتلك الايام."
وقال جوني بنايوت ويملك محلا للاقراص الموسيقية
وسط مركز رام الله الذي يعج بالناس "هناك بالفعل اقبال شديد على الفيلم.
استطيع ان اقدر بان عشرات النسخ تباع يوميا في رام الله وحدها."
وعزا الكاهن الكاثوليكي اياد الطوال من دير
الكهنة في بيت جالا الدوافع التي حفزت الفلسطينيين على مشاهدة الفيلم
لاسباب دينية وسياسية.
قال " كان توقيت اطلاق الفيلم مناسبا جدا لانه
جاء مع بداية الصوم عند المسيحيين وقبل عيد الفصح ثم بسبب الضجة
الاعلامية الصاخبة التي سبقت عرضه ورفض اليهود له واتهامه باللاسامية."
واستطرد "كما اعتقد ان من الاسباب الرئيسية هو
تحدي الفلسطينيين للرفض اليهودي للفيلم بشكل شخصي ولاعتبارات سياسية."
وفي مركز دار الندوة الدولي الثقافي في بيت لحم
يحتشد العشرات يوميا لمشاهدة الفيلم الذي شوهد ايضا في غزة ومدن اخرى
بالضفة الغربية.
في مكتبة دار الشروق لبيع وتوزيع الكتب في رام
الله وقفت امرأة تضع الحجاب امام البائع متسائلة عن محتوى الفيلم الذي
تقول انه اثار فضول من حولها.
قالت نوال الهنينة وهي ربة منزل في الخمسينات "الضجة
الاعلامية التي نسمع عنها ساقت قدمي الى هنا لشراء الفيلم الذي يتهمه
اليهود باللاسامية. وانا غير مستغربة من هذا الاتهام فهم يتهموننا
باللاسامية على الدوام."
عقد بعض المشاهدين مقارنة بين ما يعرضه الفيلم
وبين ما يتعرض له الفلسطينيون.
قال نادر ويعمل في مكتبة "عندما ننظر الى الام
المسيح نشعر بالالام التي نعيشها نحن في هذه الاوقات بسبب الاحتلال
الاسرائيلي. ليس غريبا ان يعترض اليهود على هذا الفيلم لانهم دائما
يحاولون تصوير انفسهم بالضحية وان الكل يعاديهم. هذه هي طباعهم لاخفاء
جرائمهم على مر السنين."
وفي الامارات قالت صحيفة اماراتية ان فيلم "آلام
المسيح" للمخرج الاسترالي ميل غيبسون يسجل اقبالا قياسيا في قاعات
السينما في الامارات العربية المتحدة تجاوز ما حققه فيلم "ماتريكس
ريلوديد".
واوضحت "غالف نيوز" ان 66321 شخصا حضروا الفيلم
في الايام الثلاثة الاولى من عرضه في الامارات مشيرة الى ذلك "يتجاوز
الرقم القياسي الذي حققه +ماتريكس ريلوديد+ الذي حضره 59000 مشاهدا" في
ثلاثة ايام.
واثار الفيلم جدلا واسعا في الكويت بين الغالبية
السنية التي وقفت في وجه عرضه والاقلية الشيعية التي وافقت على ذلك ولم
تبت السلطات الكويتية حيث تعرض الافلام على الرقابة بالامر حتى الان.
فقد دعا رجل دين شيعي بارز الكويت في تصريحات
نشرت الى رفع الحظر عن عرض فيلم ميل جيبسون المثير للجدال "آلام المسيح"
ونقلت صحيفة السياسة الكويتية عن السيد محمد
باقر المهري الامين العام لتجمع علماء الشيعة في الكويت قوله "نطالب
وزارة الاعلام بالسماح بعرض فيلم آلام المسيح وبيان دور اليهود قتلة
الانبياء في التاريخ."
وقال المهري ان كبار العلماء الشيعة سمحوا
لاتباعهم في الماضي بمشاهدة افلام تصور النبي محمد.
ونقلت عنه صحيفة السياسة قوله "بالنسبة لتمثيل
دور الانبياء عليهم السلام كالسيد المسيح... فلا مانع شرعا من ذلك اذا
كان هذا التمثيل يحفظ قدسية وكرامة الانبياء عليهم السلام" مضيفا ان
السيستاني نفسه سمح لممثلين بأداء دور الامام الحسين.
وحظرت وزارة الاعلام الكويتية عرض الفيلم في دور
السينما المحلية استنادا الى الحظر العام للافلام التي تصور الانبياء.
وفي البحرين اعلن مسؤول في وزارة الاعلام لوكالة
فرانس برس ان مملكة البحرين منعت عرض فيلم "الام المسيح" للمخرج ميل
غيبسون لانه يخالف الشريعة الاسلامية التي تحرم تجسيد الانبياء.
وقال جمال داود مدير دائرة المطبوعات والنشر في
الوزارة "منعنا الفيلم قبل اسبوعين عندما تقدمت شركة البحرين للسينما
بطلب لعرض الفيلم" في المملكة. واضاف "منعنا الفيلم لانه يتعارض مع
الشريعة الاسلامية التي تمنع تجسيد الانبياء".
وفي لبنان تقبل أعداد كبيرة من اللبنانيين على
مشاهدة فيلم "آلام المسيح" منذ بدء عرضه في حفلات عامة رغم ما يتضمنه
من مشاهد عنف.
فعلى مدى ساعتين وعشر دقائق يتوحد الجمهور
اللبناني حول ما وصفوه "بالاحداث الواقعية" من حياة المسيح ويجمعون على
ان الفيلم التزم بالحقيقة كما جاءت في الانجيل. وأعرب بعضهم عن الاحساس
بالحقد تجاه من وصفوهم بانهم "قتلة الانبياء" وعقدوا مقارنة بين "تعذيب
المسيح وتعذيب احفاده الفلسطينيين اليوم".
وتشهد الصالات اللبنانية ازدحاما لم يسبق له
مثيل من قبل كما قال بسام عيد أحد المسؤولين عن البرمجة في "مجمعات
الامبير" التي تعرض الفيلم مشيرا الى "نحو 136 الف شخص شاهدوا الفيلم
خلال عشرة أيام من العروض وهو أكبر رقم في تاريخ السينما في لبنان".
واضاف لرويترز ان الفيلم يعرض خلال أربع حفلات يوميا في 12 دار سينما
لبنانية.
وقالت آمنة مروة وهي في العقد الثالث من العمر "ان
هذا السلوك العدواني متأصل باليهود وتجسد عبر اصرارهم في ذلك الوقت على
الصلب رغم ما تعرض من عذابات واصرارهم اليوم على قتل كل فلسطيني أو
عربي يقول لا لسياستهم. وما اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ احمد ياسين
المقعد الا استمرار لهذا النهج العدواني."
واضافت "لو تيسر لهم في ذلك الوقت الوسائل
الحديثة للقتال مثل الطائرات والدبابات لما عمدوا االى الصلب."
ولم يستطع المشاهدون في البداية تحمل مشاهد
العنف في الفيلم لكن يبدو أنهم أصبحوا مستعدين نفسيا لها فيما بعد في
العروض العامة التي يعتقد أنها الاولى في العالم العربي.
وأوضح عيد انه في الايام الاولى لعرض الفيلم "شاهدنا
حالات خروج كثيرة من الصالات مع تصاعد مشهد التعذيب لأن المشاهدين لم
يكونوا يعرفوا ان الفيلم يتضمن مشاهد من العنف الشديد لكن الان لم نعد
نرى هذه الحالات لانني اعتقد ان الناس فهمت مضمونه ولم يعد يأتي من
يخاف مشاهدته."
وروى عيد "في احدى المرات خرجت امرأة وهي تصرخ
وتبكي من الصالة وتقول (حرام ان تظهروا عذابات المسيح الى هذا الحد)."
واضاف "لكن الان دائما نستمع الى شهقات كلما
يتعرض المسيح للضرب وغالبا ما نرى الاحمرار والدموع في عيون المشاهدين
لدى خروجهم في نهاية الفيلم ومعظم هؤلاء من النساء."
وقال أحد المشاهدين وهو يهم بالجلوس على مقعده "ان
هذه المشاهد لا تعدو الا جزءا من فيلم وان المسيح الان عند ربه."
ورغم مشاهد العنف فقد اصطحب زوجان ابنهما البالغ
من العمر نحو عشر سنوات والذي اخذ يبكي بحرقة في الصالة واحيانا يغمض
عينيه خوفا.
ولدى سؤالهما عن سبب احضاره معهما قالت الزوجة "نريد
ان نعلم اطفالنا على حب المسيح وتعاليمه لكي يتفهموا تضحياته ويعرفوا
عدوهم الاول الذي قتل المسيح وانبياء الله والقديسين" في اشارة الى
اليهود.
ويقبل تلامذة المدارس الكاثوليكية بكثرة على
مشاهدته برفقة مدرسيهم.
وقالت احدى الراهبات في ختام الفيلم لرويترز "هذا
ما أجمعت عليه الاناجيل الاربعة التي قرأناها وهو تعرض المسيح لعذاب
مفرط لا يستطيع ان يتحمله بشر." واضافت "لكن الذي يختلف الان اننا
نشاهد هذه العذابات في الصورة ولا يستطيع اي انسان عادي وحتى غير
المؤمن بتعاليم المسيح الا ان يتفاعل مع هذه المشاهد القاسية ويبكي."
المصدر: وكالات |