أن أكبر مكسب إعلامي متحقق من المرحلة
الانتقالية الجارية بالعراق أن بروزاً إيجابياً يسود على صورة من
التعايش فيما بين المنابر الإعلامية المتنوعة رغم اختلاف وجهات النظر
بين معتنقات أصحاب تلك الإعلاميات المحلية والمتمثلة على الغالب في
تعداد الصحف الذي تجاوز رقمها المائة صحيفة.
ولعل الجميع يتذكر أن صورة الإعلام الملعون في
عهد الحكم الصدامي البائد لم تكن تحمل أي سمة لإعلام مقبول الذي كان
منصباً في نشاطاته لتسليط تهديداته لشخص المواطن العراقي مادام لم يكن
منخرطاً مع جوف السلطة الغاشمة إذ كان إعلاماً يمثل لسان حال القائد
الضرورة للإرهاب والعمالة (صدام) وفريقه السياسي المرتزق الذي اختاروا
معاً طريق خنق الشعب العراقي إعلامياً بمعنى إبعاده عن أي معلومات تغني
ثقافته حتى ليكاد القول أن تفاصيل ما كان يجري في العالم قد حرم منها
العراقيون لأن تلك كانت إرادة الحاكم ورهطه الذين انتقلوا فجأة من
المستوى الشوارعي إلى سدة الحكم الذي كونوا شبكة الإعلام العراقية
الرهيبة التي انضووا تحت لوائها الإجرامي عدد من الإعلاميين العرب
المرتزقة الذين كانوا قد اشتركوا في جناية إعطاء صورة (محسنة) عن صورة
صدام السيء وفريقه السياسي الرديء أمام الشعب العربي.
وبتواشج حالة الإعلام الترهيبي الموجه ضد الشعب
العراقي الذي كان هو المستهدف الأول من وجود ذلك الإعلام المسير سلباً
لصالح الطغمة الصدامية السياسية الحاكمة فقد أصيب العراقيون جراء ذلك
الدعائي الكاذب والمرائي لإجراءات السلطة القمعية بحالة من (التخدير
الفكري) لدرجة أن أصبح الإعلام العراقي على وجه الخصوص مصدراً من مصادر
الإزعاج النفسي وسلب الراحة.
فالذي كان يستمع إلى الإذاعة العراقية يدرك من
برامجها ما يمكن أن يفيده ثقافياً أو يساهم في إغنائه روحياً فقد كان
اسم (القائد الضرورة) أحد ضرورات كل برنامج إذاعي أما على صعيد الإعلام
في الصوت والصورة والمقصود الإشارة هنا (التلفزيون العراقي) فقد كانت
الحالة أزرى مما تقدمه الإذاعة إذا كانت البرامج المخصصة لكل ما يقوم
به صدام يومياً لمادة الرئيسية التي ينبغي عدم تأجيلها بثها ولو إلى
اليوم الثاني.
وكان طبيعياً أن الإرث الإعلامي لعهد صدام بمجرد
أن سقط وسقطت معه كل ألاعيبه استلم ذلك الإرث كل العراقيين الذين كانوا
قد عايشوا مجبرين تلك الفترة الظلامية من الإعلام المنافق في العراق
واتجهوا لتعويض المواطنين العراقيين بواسطة أناس وجدوا في ضرورة خلق
إعلام عراقي كفوء في العراق الجديد رغم قلة الخبرات الصحفية وأحياناً
الامكانات المادية لكن المهم أن إنجازاً إعلامياً قد حدث وبدأت الصحف
على مختلف مشارب المجتمع العراقي تظهر أمام العيان ليقرأ الناس فيها
شيئاً من (حرية الصحافة) الذي كان له الأثر في تغير (الواقع الإعلامي)
وثم التمهيد للإعلام العراقي الرسمي القادم.
وفي مرحلة الإعلام العراقي الجديد الذي تزامن مع
ظهور مجلس الحكم الانتقالي على مسرح الأحداث السياسية لحاكمية العراق
لم يعد هناك ما يمكن أن يغير رأي العراقيين بالإعلام السابق الذي كان
سائداً أيام حكم صدام الأسود وهناك محاولات تمت محاربة الشعب العراقي
إعلامياً من قبل بعض الإعلاميات المحسوبة على الأشقاء العرب الذين
قدموا أنفسهم من خلال الإعلام عبر بعض برامجهم كـ(أشقياء عرب وليس
أشقاء كما يسموا أنفسهم فسقطت مراوغة كلام محمد سعيد الصحاف الذي
استضافته خطاً وظلماً كما يبدو إحدى الفضائيات العربية وسمت البرنامج
الطويل باسم (حرب الصحاف) الذي استغرق عرضه (5) حلقات كل حلقة استغرقت
ساعة كاملة وتدور حلقاته على مدى خمس أسابيع حيث لاحظوا أن هذا الصحاف
باقٍ على تصفيحه المنافق لصالح صدام وعلى الضد من شعبه العراقي حيث لم
يحمل القيادة الصدامية أي مسؤولية لما حدث بالعراق من مآسي وويلات طالت
جموع شعب الحضارات شعب العراق وبذاك يمكن اعتبار الصحاف ومن عادى
إعلامياً وممن هو باق لمحاولة مس حق الشعب العراقي لأنه عبر عن مشاعر
الرفض والاستنكار لحكم صدام وعصابته المأجورين هي بمثابة النهاية
لتخريس ألسن هؤلاء مجتمعين معاً أو منفردين.
أما عن كيف سيكون شكل الإعلام العراقي الجديد
بعد انبثاق الحكومة الدستورية سواء منها الحكومة المؤقتة أو الحكومة
الدائمة التي ستليها فإن هناك توجهاً لعقد صفقات لإعادة بناء شبكة
للإعلام العراقي الجديد تلفزيون وإذاعة وصحيفة لضمان تكوين شبكة إعلام
عراقية تعمل بمعايير مهنية إعلامية راقية وأكيد فإن تحقيق مثل هذا
الهدف المتوقع قدومه والظفر به في مرحلة الحكم الدستوري القادم مع
أواخر شهر حزيران 2004 غير مستبعد بحسبما تبشر وقائع السياسة الحالية
في العراق. |