من الحكم الواردة عن الإمام علي (عليه السلام):
(من كساه الحياء ثوبه خفى على الناس عيبه)
وقال (ع) أيضاً: (الحياء سبب إلى كل جميل).
بعد الافتتاحية بهاتين الحكمتين وما لهما من
دلالات سلوكية منشأها النفس البشري نعود لنسرد قضية ذكرها أحد الكتاب
عن المجتمع الأمريكي حيث ابتدأها كما يلي:
نبحث منذ زمن خبير في الشؤون الرئاسية يفسر لنا
هذه المعضلة الأخلاقية الأمريكية، فالأمريكيون الشعب الثاني بعد
الفرنسيين الذي عنده نقابة رسمية للعشيقات ومعظم إعلانات صحفهم
الاجتماعية تشجع على الخيانة والشذوذ، وأعمدة القلوب الوحيدة التي تبحث
عن أي علاقة وبأي شكل تملأ الصفحات والمكاتب التي توفق الرؤوس بالحرام
في كل شارع ومدينة، ومع ذلك وحين يحين موعد الانتخابات كل أربع سنوات
تصر الأغلبية على أن يكون سجل المرشح نظيفاً من الناحية العاطفية وليس
فيه أي اثر للخيانات الزوجية، هكذا شخص في مجتمع هذه هي ظروفه إمام أن
يكون لا وجود له بالمرءة أو يكون قديساً، وفي الحالتين يجب أن يظل
المنصب الرئاسي شاغراً، فالقديسون لا يضيعون وقتهم في حكم بلد منحل
أخلاقياً، وصاحب السجل العاطفي النظيف أقل من الخل الوفي وأعزّ من
الكبريت الأحمر، ومع كل هذه الصعوبات الواضحة يعثر الأمريكيون كل مرة
على رئيس يشيدون بأخلاقه عدة شهور ثم يبدأ مسلسل الفضائح الرئاسي الذي
قد يشاهده الناس فوراً أو يتأخر قليلاً، حسب قدرة كل رئيس على ضبط
غرائزه وفضائحه وأوراقه ولسان سكرتيرته.
ويختار الأمريكيون دوماً الرئيس المخلص، كم
يظنون، ومعظم الأحيان يتورطون. فقد كان البيت الأبيض في عهد كيندي مثلاً
وكراً للملذات غير الشرعية، فهو من الرؤساء الذين وضعوا عشيقاتهم على
جدول الرواتب ولكن ليس بذات التسمية، فالخزانة لا تدفع لعشيقة الرئيس
مرتباً ثابتاً بكل هذا الوضوح الفاضح لكنها لا تمانع إن كان اسمها
مرافقة أو مستشارة أو خبيرة أو حتى مدلكة أو اختصاصية تهدئة من
التوترات الرئاسية.
إلى أن ذكر: بأن النفاق في الحياة السياسية
والاجتماعية الأمريكية هو سيد الأخلاق كما يبدو من السياق فدوماً هناك
طريقة تقول فيها، بأسلوب ما، إنك أكثر أخلاقية من منافسيك، فالرئيس
الحالي المخلص حتى إشعار آخر، وبعد فشل حزبه في خطة تلفيق عشيقة للمرشح
الديمقراطي ذهب فوراً ليخطب في الأمة لا ليقول إنه ضد المثلية الجنسية
إنما ليقترح قانوناً يمنع زواج الأشخاص من نفس الجنس وبذا صار في نظر
البعض أكثر أخلاقية من الليبرالي المنفتح القادم لاكتساحه بعد ستة أشهر.
لا علاقة لنا بواقعية المذكور إلا أنه هكذا يبدو
في الإعلام، بل يعد شيئاً مألوفاً في مجتمع منفتح بلا حدود على الفساد
والحرية الجنسية والشذوذ.
والذي يهمنا من هذا الواقع هو إصرار الأغلبية من
الشعب على أن يكون سجل المرشح نظيفاً من الناحية العاطفية وليس فيه أي
أثر للخيانات الزوجية، وهذا إن دل على شيء فعلى التنازع الدائم في
النفس البشري بين القوى الخيرة والقوى الشريرة، ولا يستطيع أي شخص
الانفكاك عن هذا الصراع الداخلي في نفسه وإن كان في جوّ مخنوق بالفساد
وموحل بالرذيلة فعنصر الخير موجود في النفس البشري ولا بد من قيامه من
سباته وانتصاره على الشر إثر صدمة وهزة نفسية ترجع الإنسان إلى طبيعته،
فبؤساً للأشرار واللذين يحبون أن يشيع الشر والفساد بين الناس ويا
لخيبة آماله وتدهور مشاريعه وذهاب جهده هباءً منثوراً، لأن الحق يعلو
والخير يفوز بالنهاية.
واقتراحنا للمرشحين في السلك السياسي الامتثال
للحكمة البالغة (من كساه الحياء ثوبه خفى على الناس عيبه).
فعندها لا كاميرات التجسس ولا عيون المراقبين
ولا عدسات المصورين يمكنها فضحه، لأنه قد سبقها مسح الضمير الإنساني
والمراقب النفسي في الحياء فلا نقص في سجله ولا فضائح في ملفاته. |