بعد المواجهة الاخيرة بين التيارات الاسلامية
والتيارات العلمانية العراقية على خلفية الانتخابات، يبدو ان صافرة
التسابق نحو مقصورة حكم البلاد قد دوت للتو وان بدى الامر وكأنه خلاف
فني او تقني عابر ؟! ففي الوقت الذي تحاول فيه المرجعية الاسلامية
الشيعية وبالتنسيق مع القيادات السنية الاسلامية السيطرة على الامور
ومنع انفلاتها او على الاقل منع العلمانيين من التصرف بكل شئ، فالامر
في نهاية المطاف لا يخرج عن ارسال رسالة الى العلمانيين خاصة يؤكد فيها
الاسلاميون انهم موجودون وانه لا يمكن تخطيهم باي حال من الاحوال.
وكمثال على ذلك المظاهرة التي ضجت بها شوارع اغلب المدن العراقية
تأييدا لدعوة اية الله العظمى السيد السيستاني حول ضرورة اجراء
الانتخابات.
يبدو ان هذه الرسالة قد وصلت الى ابعد من
علمانيي العراق. فتلاقفها وقتها الحاكم المدني بريمر واستقل اول طائرة
الى البيت الابيض ليجتمع بالرئيس الامريكي بوش الابن، مفصلا وشارحا له
مدى خطورة القبول والرفض معا. فالبيت الابيض يعي جيدا مدى خطورة ان
يتسلم الاسلاميون زمام القيادة في بلد عربي او اسلامي على المصالح
الامريكية ومهما كانت دعاواهم في الشفافية والتسامح ؟! ويعي اكثر مدى
خطورة وضع الجنود الامريكيين في العراق اذا ما تخطت ادارة بوش صوت
السيد السيستاني! ليبدو بذلك ان الاخير هو اللاعب الاقوى في الساحة
العراقية والقادر على قلب معادلة باكملها من خلال تحريك الشارع العراقي
نحو المواجهة مع الامريكيين وغيرهم لانتزاع الحق من خاصرة الباطل كما
يقولون ؟!
ترى هل سيقف الخلاف عند نقطة الانتخابات والفقرة
(ج) ام سيستمر الى ما بعد ذلك ؟! من المؤكد ان الخلاف الاكبر سيكون حول
شكل الدستور الدائم وفقراته وما يتخلله من محرمات ومباحات، وما
الانتخابات المزمع اجراءها الا اول الغيث وليس اخره.
احيانا يخيل للمراقب ان تحركات علمانيي العراق
على استحياء واحيانا اخرى لا تأتي متناسقة مع الحدث الدراماتيكي ؟! ترى
ما سر ضعف الحركة العلمانية في العراق ؟! من المؤكد ان علمانيو العراق
يختلفون عن اية علمانية في العالم وما ذلك الا بسبب الجذور العقائدية
للعوائل التي يتحدر منها اولئك المتصدرين والتي تجرهم كلما تمادوا في
الترويج لعلمانيتهم. فضلا عن مداراتهم للوضع الراهن الذي يسير المجتمع
العراقي مما يروج له من صحوة اسلامية عارمة خصوصا بعد الكبت الذي
مارسته سلطة البعث البائد لعقود خلت. زيادة على ذلك يبدو ان العلمانيين
مشتتون وغير متفقون في وقت قد حزم الاسلاميون فيه امرهم وبدا لديهم
الرؤية الواضحة حول ما يريدون وما يرفضون. لا يمكن تناسي ايضا غياب
الرمز في الوسط العلماني العراقي وهذا الامر مهم جدا، ففي الوقت الذي
وجد فيه الاسلاميون ضالتهم في رجل مستقل مثل السيد السيستاني له تأييد
عالمي وليس على الساحة العراقية فحسب، فان العلمانيين لا زالوا يتخبطون
بين هذا وذاك في ظرف كل منهم يدعي الاعلمية والاحقية في القيادة.
وطالما ان اغلبهم من حملة الدكتوراه فليس من ثمة فضل لدكتور على اخر!
هل يعني ذلك موت الحركة العلمانية في العراق
وانها تحتظر وسط طقوس قد بكّر بها اصحاب فلسفتها ؟! لا احد يستطيع
قراءة مستقبل العلمانية في العراق من خلال مسلّمات الوضع الاني. كما لا
احد يجزم بتحول العراق الى جمهورية اسلامية. ففي نهاية كل حكاية هنالك
مفاجأة من أي من الطرفين خصوصا لو كان ثلث ابطال تلك الحكاية مدعومين
امريكيا ؟!
*كاتب عراقي
www.geocities.com/riyadalhusaini |