بداية يمكن القول أن صلة الوصل بين ما كان
يعتمده النظام الصدامي وفريقه السياسي البائد في طروحاته الإعلامية قد
ولى والى غير رجعة ولم تعد للنظام حتى صحيفة واحدة لديه خارج العراق
رغم أنه كان قد أشترى ذمم العديد من الإعلاميين الرخص الذين اختاروا
طريق الاغتناء الإرتزاقي من حساب قوت الشعب العراقي الجائع.
يمكن التطرق بأن تجربة من الديمقراطية يتم
التمهيد لها في ظل الأوضاع العراقية الراهنة رغم كل المصاعب التي تعترض
طريقها فالصحف العراقية تعد الآن بالعشرات التي توزع داخل العراق مع
الاعتراف أنها من الناحية الموادية والفنية ليست على مستوى مقبول وبما
يصل إلى نصفها أو أكثر إذ أن ما يؤسف له أن بعض التجار اللاأشاوس قد
دخلوا على قطاع الإعلام في العراق وجمعوا بعض ممن يستطيع أن يمسك قلما
ويكتب أشياء عادية ليصدروا أكثر من صحيفة وطبيعي فهذه الحالة تؤثر على
الإنتاج النوعي الإعلامي بما لا يترك شكاً حول ذلك.
إلا أن ما يمكن احتسابه على طريق البشائر
الإعلامية الفاعلة أن إذاعة تحمل اسم (كل العراق) بدأت تبث برامجها من
محافظة ميسان (العمارة) ولمدة (4) ساعات يومياً كمرحلة أولى وهي إذاعة
مستقلة سياسياً ويأمل القائمون عليها أن تبث طيلة اليوم مستقبلاً.
إن الإذاعة والتلفزيون والصحف ممكن أن تكون
منابر لنشر الفوائد الثقافية الجمة للفرد والمجتمع العراقي اللذين حرما
في عهد صدام المقبور من أي ثقافة إعلامية، ومع أنه من المتعذر الآن
الظفر بإعلام عراقي مستقل بسبب غياب وجود دولة في العراق إلا أن الأمل
كبير أن يخطوا العراق نحو الكيفية المطلوبة التي ستضمن له تأسيساً
جديداً لإعلاميات عراقية وطنية خلال الأشهر القادمة بما في ذلك
الفضائية العراقية.
إن الإعلام المتطور – المعاصر يلعب دوراً كبيراً
في توضيح ما حدث ويحدث أو يتم اكتشافه في العراق وبهذا الصدد يمكن
الإشارة إلى أن (الاتحاد الدولي للصحافيين) ومقره بوكسل – بلجيكا قدم
كتاباً أهداه لأرواح (20) صحافياً قتلوا خلال حرب العراق وإثنان منهم
ما زالا مفقودين. وهذه هي صورة من صور الاهتمام الدولي على المستوى
الإعلامي عن العراق.
هناك مظالم كبيرة قد أحدثها أركان النظام
الصدامي ضد عموم الشعب العراقي وإيصال الأخبار والتعليق لا يقوم بها
بشكل مطلوب ضميراً إلا إعلام عراقي محايد فقبل فترة كشف أن النظام
الصدامي وفريقه السياسي الملطخة أياديهم بدماء الشعب العراقي قد أباد
(250) ألف مواطن كردي أي ربع مليون نسمة دون وجود أي مبرر سياسي كافٍ
وطبيعي فإن الطرح الإعلامي الناجح لمثل هذه الجرائم يمكن أن يشكل دافعاً
وطنياً أمضى على أن يكون النضال العراقي أكثر تحدياً للمظالم إذا ما
حاولت تنمو مرة أخرى في العراق القادم.
والأفضل الإعلامياً هو أن يكون النموذج المقدم
ذا أبعاد ثقافية تقبل الرأي الآخر وأن تكون هناك استماتة من أجل إيصال
كل الحقيقة للمجتمع العراقي وبعيداً عن أي تزمت في التفكير أو الإدعاء
وبذاك يكون الناس العراقيون قد تخطوا بالثقافة فيما بينهم إلى مدارج
أكثر قرباً للرأي العام العراقي ومصالح الشعب والوطن.. فالوعي بما يجري
هو أكبر سلاح يمكن أن يملكه الناس ضد المعتدين والمتجاوزين مهما كانت
هوياتهم أو انتماءاتهم السياسية العلنية واصطفافاتهم السياسية السرية.
وإن وضع ضمانات أكيدة لصحافة حرة والتعبير عن
الرأي بحرية كاملة يفضل أن لا تغيب عن البال فبذاك سيمكن خلق إعلام
شعبي يساند في نهاية غاياته كل حكم قادم ويحترم شعبه ويقدس الاختلاف
الموضوعي في الآراء ولا يشجع على وضع الخطوط المتقاطعة بين رأي موضوعي
أو اجتهاد بديهي حول أي أمر يخص الدولة أو المجتمع في العراق.
إن الأخبار الواردة عن أصدقاء محتملين للعراق هي
مسألة جديدة غدت ملموسة في الواقع الإعلامي العراقي فقد أشارت قبل فترة
أن حملة إيطالية إعلامية أظهرت رغبة للمساهمة في إعادة المكانة التي
كانت تحتلها الثقافة العراقية في عهود ما قبل فترة انقلاب 1968م
وانقلاب 1963م والإعلام العراقي الذي يتطلع إعلاميوه الوطنيون إلى
تأسيس إعلام عراقي حر ودون أي وصاية أجنبية ومن ذاك مثلاً ضرورة السعي
لتسجيل فظائع النظام الصدامي المهزوم ومن كان يسانده في السر والعلن.
إن الإعلام التسلطي لم يعد مناسباً لمرحلة
العراق الحالية ولا لمراحله القادمة والإعلام العراقي الجديد المؤمل
تركيز تقاليده الحضارية هو مهمة الحكومة الدستورية العراقية القادمة
أكثر من غيرها بعد أن تجاوز الإعلام العراقي الحالي رغم عدم تكامله
رسمياً النفق المظلم الذي وضعه فيه الحكم الصدامي الخاسر. |