البحث عن السبب الحقيقي الذي جعل الغرب يفكر
بضرورة تغيير الحكم الصدامي البائد رغم ما كونه حكماً يبدو وكأنه (لغز
سياسي) إلا أن من يتابع العراق لم يستبعد أن اختلاف موازنات القوى بعد
سقوط الاتحاد السوفيتي السابق واستفراد الغرب - على وجه العموم – في
إمكانية التحكم بمصائر العديد من الدول كان أحد الأسباب التي أدت فعلاً
لتسقيط النظام الصدامي الذي كان موالياً للسياسات الغربية سراً.
كان واضحاً لدى العالم أن نظام صدام وفريقه..
السياسي الذي يمثل حثالة المجتمع العراقي قد خرقوا كل ما له صلة
بالسلوك الآدمي داخل العراق أولاً وثم نقل شيئاً من خروقاته لبعض مناطق
الجوار والعالم وعلى أية حال ومهما كانت التهم التي سبق وأن وجهت ضد
النظام والتي تقدمتها تهمة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل فإن ما
خفي من حقيقة الأمر السياسي كان أعظم.
وإذ يرقى إجراء تغيير الحكم الصدامي الإرهابي
واستبداله بحكم مؤقت حتى انبثاق حكومة عراقية مستقلة إلى غاية معلنة
وتعني أن نظام صدام لم يعد وجوده يناسب مع المرحلة السياسية الراهنة
التي أصبح فيه الإرهاب العشوائي على شعب العراق ممنوعاً من حيث المبدأ
وعلى المستوى الدولي الجديد أما عن مدى أحقية الغرب لإجراء عملية
التغيير التي تمت على الحكم بالعراق فهي مسألة تحتاج إلى وقفة تأمل
حيادية ممكن أن تسمى منها الأشياء بأسمائها.
فكون العراق بلد غني ومنوّع في امتلاكه لمواد
معدنية وزراعية وثروات أخرى مسألة كانت وبقيت كـ(خلفية) لأي تحرك سياسي
وعسكري غربي سبق وأن حدث بالعراق وهذه مسالة متفق عليها ولا تقبل النكر
لكن وجود صدام على رأس السلطة الجائرة التي كانت تهيمن على العراق لم
يشكل ذلك مانعاً كي يجير نظامه كل ما تبقى بالعراق لصالح الغرب مقابل
إبقاء ذلك النظام على دست الحكم العراقي في مرحلة التغيير الدولي.
ويبدو بحسب التحليل الممكن استنباطه من الوقائع
السياسية السرية والعلنية المعززة ببعض التوثيقات الصحفية أن تسمية
النظام الصدامي كنظام ذات توجهات سياسية غربية مسألة لم تكن قابلة
للدحض فعلى سبيل التذكير أن النظام الصدامي لم يكن يستطيع أن يستمر
بالحرب مدة ثمانية سنوات مع الجارة إيران لو لم يتم إسناده بالسلاح
والدعم الغربي الدولي.. لما كان الغرب بحاجة حسب خطته إلى من يقوم
نيابة عنه لتوجيه ضربة عسكرية قاصمة للجارة إيران بسبب الخلافات التي
كانت بين الغرب وإيران بمناسبة إعلان الحكم الإسلامي في الأخيرة.
ومما يمكن التطرق إليه بهذا الصدد أن الغرب
والنظام الصدامي البائد لم يكونا بأي حال على جفاء من الناحية
الدبلوماسية العملية رغم ما كان الغرب يشير إليه من ملاحظات على نظام
صدام وضرورة أن يعطي فرصة لإعادة ترتيب أوراقه في الداخل العراقي
وبالذات في الفترة التي أعقبت تفجير انتفاضة الشعب العراقي لمناسبة
أحداث شهر صفر (العربي) بالعراق بأوائل التسعينيات.
إن الدعوة للحوار بعد حقبة الحكم الصدامي
المنهار وما قبلها التي تمت ما بين القوى السياسية العراقية المعارضة
لنظام صدام رغم أنها دعوة خلت من تشكيل مخاطر جادة لأركان النظام
الصدامي. وبذاك فقد كان تشكيل المشهد الجديد للعراق بعد إزالة حكم صدام
البغيض عن العراق هو خلق عراق جديد خالٍ من الإرهاب ويفترض أن يكون خالٍ
من الإرهابيين.
وإذا كانت للحقيقة وجه واحد فيمكن القول أن صدام
لم يكن يوماً لا مؤمناً ولا وطنياً ولا حتى قومياً لذا لوحظ أن هذا
الصدام اللعين قد عمل إلى تمويت الآمال السياسية لدى كافة العراقيين
الشرفاء إلا أن الوضع السياسي العراقي الحالي أو القادم ربما لم يسمح
لأن يكون العراق بتلك السهولة الخاصة التي ستسمح لأن يكون لأي حلف غربي
أثر في العراق أو له دوراً دائمياً بالعراق بما في ذلك (الحلف الأطلسي).
ومع أن السبب الأول لتغيير الحكم الصدامي كان
للحد كي لا يستغل الإنسان العراقي أكثر بعد أن أجريت لعسكريين دولته
حالة من المسخ وبذاك فقد خرج العراقيون العسكر عن سرب الآدميين في
العراق إلا أن الإنسان العراقي السوي الذي بقي مستقلاً استقلالاً فعلياً
عن الحكم الصدامي ومستقلاً حتى عن قوس المعارض بقي مخيفاً بحسب تركيبته
الوطنية الفذة اللايفضل إهمالها، فالمواطن العراقي الأصيل هو أصيل بكل
شيء وبالذات عند الملمات لنصرة المظلومين فهو لا يحب السيطرة على الغير
لذلك يمكن القول إن الإنسان العراقي مستهدف قبل بلده العراق.
وفي حصيلة ما تقدم يمكن التمييز بين المصالح
الغربية الدولية في العراق وبين الاستهدافات التي عادة ما تتزامن مع
تلك المصالح بعد أن ايقن الجميع أن أمن العالم لا يتم إلا بتوفير الأمن
بالعراق. |