(العولمة) إحدى المصطلحات الحديثة والمعاصرة
التي انبثقت من رحم النظام الرأسمالي الغربي الراهن ولكن العولمة
كـ(مصطلح) فقد جاء ليعلن ضمناً أنه قد أزاح مصطلح (الأممية) الذي كان
معسكر الكتلة الشرقية الاشتراكية التي يتزعم جزء منها الاتحاد السوفيتي
السابق يعتمده كإحدى ثوابت أطروحته.
إلا.. أن ما فات الرأسماليين الحاليين
والاشتراكيين السابقين أن التوجه نحو (العالمية) لم يكن مبدأ جديداً
فقد كانت مبادئ العالمية السابقة إحدى أهم أمآل البشرية قبل مراحل
تدوين التاريخ فقد كان أحد أعمدة الحضارة اليونانية القديمة أي قبل
ظهور الأديان السماوية الثلاث الأخيرة، حيث بقي ذاك التوجه داعياً
لتحقيق آفاقه الإنسانية حتى وقتنا الراهن كي تسود حياة البشرية بما لا
يلحق بها أي تقاطعات قاتلة بين بني الإنسان.
لكن ما يفارق العالمية عن العولمة أن الأخيرة
ذات طابع تعميمي يرى الغربيون في مدرسته إذا ما سادت وضع حلول لكل
مشاكل العالم إلا أن ما يغيب عن بال هؤلاء أن الإعلان عن مبادئ أطروحة
أو توجه ما مهما تضمنت من مبادئ وأسس إيجابية لا يزكي تلك الأطروحة أو
ذاك التوجه قبل أن تحكم التجربة العملية التي توضح مدى جدية أي أطروحة.
فـ(العولمة) بثوبها الغربي فيها شيء من المصادرة
للآخر ولكن لمس ذلك من حقيقة كون مبدأ العولمة ينص على إنصاف البشرية
في مسألة توحيد آمالها في شتى مجالات الحياة وهذا لا ينبغي أن يؤدي إلى
رفع حالة الثقة الكاملة بالعولمة لمجرد أن طرحت فكرتها إذ سبقتها عدة
أطروحات وأفكار أدعت بأشياء مماثلة من حيث إنصاف البشرية في إنسانيتها
وتعميم تجربة إنسانيتها أيضاً لكن النتيجة أثناء التطبيق لم تأخذ أي
مدىً مصداق بما كان إعلانها الأول يشير له من مبادئ إنسانية و غيرها.
وأن أضعف نقطة في أطروحة العولمة الغربية أن
مبتنيها يعتقدون مجرد اعتقاد لا أكثر أن العولمة هي آخر ما يأتي به
العقل البشري لحل مشاكل العالم وبالذات في البلدان النامية بيد أن ما
يعارض توجهات العولمة الغربية ممكن أن يوضع في صف الأعداء وقصداً
الأعداء التاريخيين لمصالح البشرية، هكذا وبكل سهولة وهي محاولة تستهدف
تسطيح العقول المفكرة والأنفس الواعية.
في هذه اللحظة اللامستثناة من شيء توجد بعض
التخمينات وتطرح بعض التساؤلات حول العولمة كـ(نظام حياة) وكإهتمام
بهذا الموضوع الواسع حيناً والشائك حيناً آخراً تعدد الآراء وتبرز
العناوين وتكون الضرورة بحاجة أكثر فعلاً لإجلاء أكثر بما تبغيه
فالعالم الذي تلمح له العولمة وكأنه أصبح أو سيصبح كـ(قرية صغيرة)
نتيجة لسعة عمليات التلاحم بين مختلف المجتمعات، والحقيقة أن زيادة
معدلات النشر الإعلامي بالأقمار الصناعية في بلدان المشرق وبلدان
المغرب في كافة أنحاء العالم لا يتعدى أكثر من عمليات تبادل أو نشر أو
توثيق معلومات.
وفكرة الحوار التي تتصدر بل وينبغي أن تتصدر
دراسة أسس وأهداف العولمة بعيداً عن أي تبجحات نظرية سبق وأن كانت ضمن
التوثيقات الأدبية للعديد من المبادئ المفروضة. إن العولمة لو صحت
فكرتها التجريدية المنطلقة من مبادئ العمل لخير البشرية حقاً فيمكن أن
تكون الحال بما يسترشد منها وهنا ليس من الضروري الإشارة إلى أن أغلبية
هنا أو هناك من التجمعات البشرية يؤيدون العولمة ويبشروا الناس بها
فهذه في حقيقة الأمر صياغة لا يمكن تخطيها مقارنة مع ما كان حين ظهرت
مبادئ مماثلة أدعت كما أدعته من أجل تحقيق المجتمعات السعيدة.
إن البشرية اليوم أمام حدث نوعي جديد لا يعرف
مداه الأخير أحد وأصعب ما يمكن الإشارة إليه بهذا الصدد أن لا يصدق أحد
لما يملى عليه قبل لمس جني الفوائد التي ترقى بالإنسان إلى مرحلة أعلى
في حياته إذ من المألوف أن السرية التي كانت محيطة ببعض الإيديولوجيات
لم تكن ذات معنى لجعلها بتلك السرية إذ أن كثير مما يخفى ممكن أن يظهر
بعد (فترة وحين) ولم تفد عندها أي طرق لوضع صيانة مفتعلة حول أمر لا
يحتاج في نهاية أمره إلى صيانة. وفكرة العولمة لا تترجمها إلا الممارسة
الحقة.
والبشرية بقدر ما تخشى من حالات التسلط والهيمنة
والاستعباد التي تأتي بها المبادئ الجديدة التي تدعي شيء في البدايات
حتى إذا ما ركزت أوضاعها انقلبت على أناسها، وفي حالة العولمة المعاصرة
كـ(مبدأ) وكـ(تطبيق) ممكن أن تركز مبادئها حالات التواصل الإنساني
وبدون (الإنسانية) ليس هناك شيء صالح لأي أطروحة بما فيها.. وما يكون
منها ويفضل أن لا يغيب عن البال أن ما يمكن ادخاره من آراء يضر في
الأيديولوجية المعينة مهما كانت وكيفما كانت.
ويبقى الأهم حول أطروحة العولمة أن يبادر
أصحابها إلى ترجمة مبادئها من الآن قبل أن تكون هناك مناسبة للارتداد
عن العولمة والمهم فيها أن تؤدي إلى تعاون حقيقي وتكافل اجتماعي خلاّق
وبذاك سيمكن نوعاً ما تسليط الضوء على العولمة باعتبارها أطروحة تستحق
الاحترام وإلا فإن الصراع ممكن أن يتخذ أي شكل من الأشكال ضمن تحديات
مسارات الحياة. |