يتفق زعماء عراقيون ومسؤولون أمريكيون في أن هدف
مدبر الهجمات الدموية ضد الشيعة أثناء احتفالهم بيوم عاشوراء أكبر
مناسباتهم الدينية اثارة صراع ديني وعرقلة انتقال العراق إلى مرحلة ما
بعد الحرب.
ويرون أن المشتبه فيه الاول أبو مصعب الزرقاوي
وهو أردني تصفه واشنطن بأنه عضو بارز في تنظيم القاعدة.
وسواء أكان هو المخطط أم لا فانه من غير المحتمل
فيما يبدو أن يكون متشددون أجانب قد قاموا بهجمات يوم الثلاثاء في
كربلاء وبغداد بدون مساعدة من الداخل.
يقول محللون إن المساعدة الداخلية يمكن أن تأتي
أما من بعثيين سابقين يصرون على نشر الفوضى لاحباط جهود تقودها
الولايات المتحدة لإقامة عراق جديد أو من متطرفين دينيين سنة يكرهون
الشيعة.
ويعتقد المؤرخ البريطاني تشارلز تريب ان مثل هذه
الدوافع الدينية منتشرة في باكستان حيث سقط 44 قتيلا في هجوم على
الشيعة في مدينة كويتا بباكستان يوم الثلاثاء.
قال "الذين يكرهون الشيعة أقلية صغيرة في العراق
وظهروا حديثا ولكنهم كانوا موجودين حتى قبل سقوط صدام."
أضاف ان مجموعة مختلفة تماما ينتابها الحنين إلى
حكم صدام الحديدي قد ترى مصلحتها في محاولة إثارة الشيعة ودفعهم إلى
ارتكاب العنف لاثبات ان الحرية والديمقراطية لا تناسبان العراق.
اضاف "إذا احتفظ الشيعة بهدوئهم خاصة وانه من
الناحية السياسية ليس لديهم مبرر لاتخاذ هذا ذريعة لحرب أهلية فانني
أشعر ان هذه الهجمات لن تفيد الذين دبروها."
ويرفض عراقيون كثيرون على اختلاف مذاهبهم
استفزازهم في صراع طائفي ويسارعون باتهام أجانب أو موالين لصدام.
ويوم الاربعاء دعا زعماء الشيعة إلى الهدوء
وحثوا أتباعهم على عدم الانجرار إلى حرب أهلية.
والمذبحة التي سقط فيها 185 قتيلا في كربلاء
وبغداد يمكن أن تكون جزءا من سيناريو وضعت أسسه في خطاب للزرقاوي ضبطته
القوات الامريكية.
وحث الخطاب المسجل على قرص كمبيوتر على القيام
بهجمات انتحارية على الشيعة لاثارة حرب أهلية وافشال خطط الولايات
المتحدة في العراق.
والتزم مصدر مخابرات أوروبي بارز طلب عدم ذكر
أسمه الحذر فيما إذا كان الزرقاوي نفسه قد كتب الخطاب الذي تضمن عبارات
تاريخية وكلاسيكية عالية المستوى. ولكنه قال إن شخصا ما ربما كتبه
نيابة عن الزرقاوي.
قال البريجادير جنرال مارك كيميت مساعد مدير
العمليات العسكرية الامريكية في العراق إن الزرقاوي المشتبه فيه الأول
في التفجيرات لانها ذات طابع "انتحاري ومثير ورمزي."
قال "يشير هذا بوضوح إلى منظمة جيدة التنسيق
متطورة إلى حد ما." وأضاف أن الهجمات تزامنت مع اكمال وضع دستور مؤقت
للعراق وذروة الاحتفال بعاشوراء. واتهم مجلس الحكم العراقي الذي عينته
الولايات المتحدة الزرقاوي الذي رصدت مكافأة عشرة ملايين دولار ثمنا
لرأسه بأنه وراء الهجمات.
قال موفق الربيعي العضو الشيعي بمجلس الحكم "محاولة
الزرقاوي اشعال حرب أهلية وصراع طائفي لن تنجح. فشل الزرقاوي وفشلت
عصابته وخططه الشريرة."
ويتصدر الزرقاوي قائمة الولايات المتحدة للمطلوب
القبض عليهم منذ 2002 بعد مقتل الدبلوماسي الأمريكي لورانس فولي في
عمان. وقد حكمت محكمة أردنية على الزرقاوي بالاعدام غيابيا لادانته
بالتخطيط لهجمات على أهداف أمريكية وإسرائيلية في المملكة.
ويعتقد أن الزرقاوي خبير السموم المشتبه في
ارتباطه بتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن له صلة بأنصار
الاسلام وهي منظمة متشددة دمرت قواعدها الأساسية في الاقليم الكردي
بشمال العراق أثناء الحرب.
قال خبير الارهاب الالماني بيرند جورج ثام إن
الزرقاوي "يتحول إلى قائد عسكري نشط لارهابيي الجهاد وله صلات ممتازة
مع منظمات أخرى والقاعدة القديمة التي أصيبت بأضرار ولكنها لم تدمر.
"إنه واحد من الجيل القادم بعد أسامة بن لادن
لزعماء من شبكة الجهاد العالمية."
وأضاف ثام ان هجمات كربلاء/بغداد أظهرت مستوى من
التخطيط والتنسيق يحمل سمات القاعدة ولكنه قال إن الثورة في العراق من
عمل منظمة جهادية أكبر تستلهم أساليب القاعدة ولكنها تختضن أيضا
متشددين يائسين وبقايا نظام صدام المخلوع.
قال "هناك محاولة لإثارة منظمات إسلامية مختلفة
ضد بعضها البعض لتمهيد التربة لحرب أهلية."
من جهته صرح الجنرال جون ابي زيد الاربعاء ان
الولايات المتحدة تلقت تحذيرات استخباراتية حول تفجيرات كربلاء وبغداد
وحالت على ما يبدو دون وقوع عدد اكبر من الخسائر في الارواح بعد ان
قامت قواتها بمداهمات الليلة التي سبقت التفجيرات ضد عناصر تابعين
للمتشدد الاردني ابو مصعب الزرقاوي.
وافاد ابو زيد ان القوات الاميركية والعراقية
احبطت هجوما ثالثا كان مسلحون ينوون تنفيذه في مدينة البصرة جنوب
العراق كما افشلت خططا لمهاجمة العديد من الشخصيات الشيعية البارزة.
وقال "اعتقد ان الخطة كانت تقضي بايقاع مجزرة
اكبر واعتقد ان العمل المشترك بين الاميركيين والعراقيين حال دون وقوع
ذلك كما كان هناك تعاون افضل مما تتحدث عنه التقارير (الصحافية) بين
المجموعات المختلفة في العراق فيما يتعلق بالامن".
واكد ان الهجمات تحمل بصمات الزرقاوي الذي يتبع
استراتيجية لاشعال حرب اهلية بين العراقيين السنة والشيعة اتضحت في
رسالة تم رصدها نسبت الى المتطرف الاردني.
وصرح ابي زيد قائد القوات الاميركية في العراق
امام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الاميركي ان "لدينا معلومات
استخباراتية واضحة تربط ما بين الزرقاوي وهذا الهجوم". واضاف "كما ان
لدينا معلومات استخباراتية تظهر ان هناك بعض الصلات بين الزرقاوي
وعناصر من النظام السابق وبالاخص اجهزة الاستخبارات العراقية".
وقال الجنرال ابي زيد ان التنسيق بين الزرقاوي
واجهزة الاستخبارات العراقية السابقة يحمل "الكثير من الخطر على القوات".
وتابع "وصلتنا معلومات استخباراتية اشارت الى ان هجمات ستقع (..)
ومررنا تلك المعلومات الى الشرطة ووحدات الدفاع المدني العراقية
والسلطات المحلية".
واوضح "ونعلم كذلك انهم يحاولون استهداف شخصيات
شيعية بارزة". وقال "وفي الليلة السابقة (للتفجيرات) داهمت وحدات
العمليات الخاصة الاميركية بعض افراد شبكة الزرقاوي وربما تكون قد حالت
دون وقوع مجزرة اكبر بنجاحها في احدى تلك المداهمات".
واكد ابي زيد ان مسؤولية الامن داخل كربلاء تركت
لقوات الشرطة والدفاع المدني والسلطات المحلية منذ الايام الاولى
للاحتلال الاميركي للعراق بسبب الحساسيات المتعلقة بوجود قوات اميركية
قرب المواقع المقدسة في المدينة.
واشار الى ان الفرقة المتعددة الجنسيات بقيادة
بولندا اقامت طوقا امنيا خارج كربلاء بينما اقامت القوات الاميركية
طوقا مماثلا خارج بغداد. واضاف "ولكنك تعلم سيدي انه في مدينة مثل
كربلاء يسكنها اكثر من مليون شخص وفي مدينة مثل بغداد يسكنها ما يزيد
عن خمسة ملايين تستطيع فعليا ان تشق طريقك عبر اي طوق امني خاصة عندما
يكون هناك حوالى مليون مؤمن يحيون ذكرى عاشوراء".
وتابع "واتضح كذلك ان الاشخاص الذين خططوا لهذا
العمل المروع خططوا لالقاء اللوم فيه على الولايات المتحدة".
وقال ابي زيد ان هناك "بعض المؤشرات" على ان
هؤلاء الاشخاص وزعوا منشورات بعد الانفجار بوقت قليل في بغداد تزعم ان
الولايات المتحدة اطلقت قذائف هاون على المصلين والحجاج.
وردا على الغضب العراقي حول اخفاق القوات
الاميركية في توفير الامن قال ابي زيد انه من غير المفاجئ ان يلقي
العراقيون اللوم على الولايات المتحدة لانه ينظر اليها على انها قوة
محتلة.
وردا على سؤال حول احتمال نشوب حرب اهلية في
العراق قال ابي زيد انه متفائل بشأن امكانية الحيلولة دون ذلك الا انه
حذر من انه من المرجح ان تزيد اعمال العنف عندما تسلم الولايات المتحدة
السلطة في الاول من تموز/يوليو ويبدأ العراق استعداده لاجراء انتخابات.
وقال "اعتقد ان عدد من يحاولون الحفاظ على تماسك
العراق اكبر من عدد من يحاولون تمزيقه (..) اعتقد ان هناك فرصة دائما
بانه من خلال الخطوات الخاطئة التي يقدم عليها زعماء سياسيون داخل
العراق ومن خلال خطوات متعمدة كالتي يقوم بها اشخاص مثل الزرقاوي فان
جماعات مثل انصار الاسلام والقاعدة تحاول جر البلد نحو حرب اهلية. هذا
امر محتمل". واستطرد "ورغم انني اقول ان ذلك ممكن لا اعتقد انه محتمل".
واعرب عن اعتقاده ان هناك فرصة اكبر في ان يصبح
العراق دولة مستقرة ومعتدلة وعصرية "ولذلك فانني متفائل بان امامنا
فرصة ولكنها ليست فرصة 100 بالمئة".
وحول دور ايران قال ابي زيد ان الجمهورية
الاسلامية لم تقم حتى الان بعرقلة العمليات الاميركية رغم انها ربما "تغاضت"
عن تسلل مجموعات ارهابية الى العراق وافغانستان من اراضيها.
واضاف "ان درجة تورط الحكومة الايرانية غير
واضحة لدي (..) ولكن يمكن ان اقول ان الايرانيين بسماحهم لجماعات مثل (جماعة)
الزرقاوي والقاعدة وانصار الاسلام بالعمل عبر اراضيها او عدم تعقبها
بشكل فعال فانها تضع مؤسساتها الحكومية وشعبها في خطر".
هذا وقد انتقل المتشدد الهارب أبو مصعب الزرقاوي
الذي تعتقد الولايات المتحده انه المشتبه به الرئيسي في موجة الهجمات
القاتلة الاخيرة في العراق من الخفاء النسبي إلى دائرة الضوء الكبيرة
لأكثر الرجال المطلوبين لدى واشنطن.
وقال مسؤول في مجال مكافحة الارهاب بالإدارة
الأمريكية لرويترز ان "الزرقاوي يحتل مكانة متقدمة" في قائمة الولايات
المتحدة للارهابيين المطلوبين. وأضاف "للاحتفاظ بشبكة تتسم بالفاعلية
والقدرة على العمل تحت ضغط لابد وأن يكون لديه قدر كبير من الاصرار
والقدرة التنظيمية."
وأكثر من أي متشدد آخر تحت بصر واشنطن فان
الزرقاوي يحظى باهتمام إدارة الرئيس جورج بوش ليس فقط بسبب الخسائر
التي يمكن أن يتسبب فيها وإنما بسبب الاضرار التي يمكن ان يلحقها
بالطموحات السياسية للولايات المتحدة في العراق والمنطقة.
وقال مسؤول مكافحة الارهاب "إنه في مسرح يمكنه
أن يحدث فيه قدرا كبيرا من الضرر ليس فقط للأمريكيين وحياة الامريكيين
وانما لأهدافنا السياسية في العراق."
وينظر مسؤولون أمريكيون الى الزرقاوي على انه
عقلية رئيسية بدأت تظهر لها علاقات محتملة بتنظيم القاعدة وانه يقود
هجمات لنشر بذور الفوضى والفرقة في العراق.
لكن بعض النقاد يقولون إن واشنطن تستخدم معلومات
مخابرات موضع شك بشأن الزرقاوي لدعم مزاعمها بأن متشددين أجانب وراء
الهجمات القاتلة في العراق. والزرقاوي أردني من أصول فلسطينية.
ويقول محللون إن الادارة الامريكية تشعر بالقلق
أيضا من أن الزرقاوي يمكنه أن يقوض نفوذها في المستقبل في الشرق الاوسط
الكبير من خلال حرمان الولايات المتحدة من موطىء قدم وتدمير آمالها بأن
يكون العراق حليفا عربيا جديدا.
وقال دانييل بنجامين المسؤول الكبير السابق
بمجلس الأمن القومي الأمريكي إن نجاح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط
في المستقبل مرهون بالنجاح في العراق وان الزرقاوي يقلل بدرجة كبيرة من
احتمال تحقيق نتيجة جيدة في العراق. واضاف "إنه واحد من اللاعبين
المهمين الكبار بحق هناك."
وعندما حاول وزير الخارجية الامريكي كولن باول
اثبات "الصلة الشريرة" بين أسامة بن لادن والرئيس العراقي السابق صدام
حسين من خلال الزرقاوي في الفترة التي سبقت حرب العراق لم يكن كثيرون
سمعوا عن الزرقاوي مقاتل حرب أفغانستان الذي فقد ساقه في الغارات
الجوية الامريكية بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول.
ويقول منتقدون إنهم يشعرون بالقلق من تركيز
واشنطن على الزرقاوي ومن معلومات مخابرات مثيرة للشك بشأن العراق من
وجود أسلحة دمار شامل إلى صلات بين صدام وتنظيم القاعدة. ولم يتم
العثور على أدلة على أي من الزعمين.
كما يشعر البعض بالقلق من أن التأكيد على
الزرقاوي يهدف إلى دعم مزاعم واشنطن المثيرة للجدل بأن هجمات العراق
يقودها "ارهابيون" أجانب وليس مقاومة محلية للاحتلال.
وقبل حرب العراق وصف باول الزرقاوي بأنه "شريك
ومتعاون" مع ابن لادن والقاعدة لكن لم يعرف مدى أي علاقة إذا كانت توجد
علاقة.
وقال المسؤول بالادارة الامريكية "إنه شريك
كلاسيكي لتنظيم القاعدة على نحو ما. له علاقة تعاون معهم. وهذا لا يعني
انه يتصرف بالترتيب معهم. وعلى سبيل المثال فانني لا أعتقد أنهم
سينضمون إلى برنامجه السني الشيعي."
ويقول بعض المحللين إن العلاقات ربما لا تتجاوز
الالهام العقائدي.
وظهر للمرة الأولى الزرقاوي الذي يعرف أيضا باسم
أحمد فضيل نزال الخلايلة كارهابي مشتبه به عندما أدانه الاردن غيابيا
بسبب دوره في مؤامرة الهجوم على فندق ومواقع أخرى اثناء احتفالات
الالفية. وحكم عليه بالاعدام غيابيا.
ويقول مسؤولون أمريكيون إنه وراء العديد من
الهجمات القاتلة في العراق بما في ذلك تفجير أغسطس آب الماضي ضد مقر
الامم المتحدة في بغداد.
ويعتقد ان له علاقات بجماعة أنصار الاسلام وهي
جماعة متشددة تم تدمير قواعدها التي تقع في الجزء الذي يسيطر عليه
الاكراد في شمال العراق أثناء الحرب التي قادتها الولايات المتحدة.
وتعتقد واشنطن أيضا ان الزرقاوي هو الذي دبر
اغتيال دبلوماسي أمريكي في عمان في عام 2002 وانه يدير معسكرا في
افغانستان تخصص في استخدام الغازات السامة. ويعتقد انه ولد في عام 1966
في مدينة الزرقاء الصناعية الاردنية.
المصدر: وكالات |