لوحظ أن المشاركة السياسية بدأت تطرق أبواب
التغيير المجتمعي، ولكل طرف وجهة نظره في كيفية تطبيقها أو القيام
بخطوات تؤسس في المستقبل إلى المشاركة الكاملة والفعلية المهم في
الخطاب الرسمي العربي.. بدأ الاعتراف بالنواقص التي تعترض عملية
التنمية والتطويرات بل زاد في ذلك ثمة ما يشير إلى أن من أهم أسباب
العنف.. غياب المشاركة لوجهة نظر الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية
السعودي جديرة بالتوقف والانتباه فيما قال إن مطلب المشاركة السياسية
المرفوع مدخلاً للإصلاح تتهدده ثلاثة أوهام خاطئة لا تزال رائجة عند
بعض العرب وهي: الوهم الأول يتعلق بالخطابات المتكررة التي دأبنا على
الاستماع إليها في عالمنا العربي والتي تدعو إلى تأجيل المشاركة
السياسية بحجة العدوان الخارجي وأولوية متطلبات معارك تحرير الأرض من
محتليها واستعادة الحقوق من غاصبيها ومن الغريب أن تتم التضحية
بالمشاركة السياسية والتي تعد مطلباً قائماً بذاته، بسبب هذه الحجج
الواهية الأوهام الخاطئة في حين تؤكد جميع التجارب التاريخية والمعاصرة
أن المشاركة الشعبية هي التي تعزز القدرة على مواجهة التحديات الخارجية
والمطامع الأجنبية، خاصة حين تكون المعارك مصيرية وموازين القوى مختلفة؟!
ولقد كان الثمن الذي دفعناه من جراء خطأ هذا الوهم ثمناً باهضاً فلا
الشعوب شاركت ولا الأرض حررت ولا الحقوق استعيدت ولا التنمية تحققت؟!(1)
للتذكير بأن عقد السبعينات من القرن الماضي شهدت الساحة الفكرية
والسياسية جدلاً صاخباً حول هذه الموضوعات وعاشت أحزاب وماتت قبل أن
ترى وتسمع ما كانت تختلف عليه.
أما الوهم الثاني فهو الزعم أن المشاركة
السياسية تتعارض مع مفاهيم الإسلام وقيمه ويرى الأمير سعود الفيصل أن
قيم الإسلام الخالدة تدعو إلى الشورى والعدل والمساواة دون تمديد مسبق
للآليات التفضيلية التي تتغير بتغيير الأزمنة والأمكنة، لكنها جميعاً
قيم يرتبط تحقيقها الفعلي في المجتمعات الحديثة بتطور المشاركة
السياسية الفاعلة (2) رحماك سماحة الإمام محمد الحسيني الشيرازي (قدس
سره) كم هي الحاجة عند أصحاب القرار السياسي والنخب الفكرية والحزبية
أن تعيد قراءة مشروعك الإسلامي النهضوي.
أما الوهم الثالث برأي الفيصل فهو وهم إفراغ
مطلب المشاركة السياسية من مضمونه بحيث يقتصر على انتخابات شكلية لا
تتمتع بصلاحيات فعلية في حين أن المشاركة السياسية الحقيقية تتطلب
تعميقاً للحريات الفكرية والإعلامية، وحفظاً للحقوق الفردية، وحقوق
الأقليات، وتأسيساً للمجتمع المدني الوطني المتجاوز للعصبيات المحلية
والقبلية والطائفية، وبرأي الفيصل حول تكامل إصلاح البيت العربي الذي
يجب أن يبدأ بإصلاح داخل كل بلد عربي فيقول: ومن نافلة القول التأكيد
على الترابط الوثيق بين هذه المحاور الآن وكذلك الإقرار بأن أي معالجة
جادة للوضع العربي الراهن لا بد وأن تشتمل على تزامن وتكامل الإصلاح
فيها معاً يذكر أن دراسة حديثة قد أشارت إلى أن المشكلة الحقيقية ليست
في خطوات الإصلاح وإنما هي جدية إرادة الإصلاح.
لأننا من تجارب عديدة ومريرة سمعنا كلاماً كثيراً
وجميلاً عن الإصلاح وصادفنا ما لا حصر له من القرارات والإجراءات التي
رفعت راية الإصلاح لكننا اكتشفنا بعد حين أن عنصر الجدية لم يكن متوفراً
وأن الحرص على التجمل كان أكثر من السعي إلى الإصلاح وأن الاهتمام
بالطلاء صرف الاهتمام عن ترميم البناء.
وإن أغلب الأنظمة العربية غيبت استحقاقات
المشاركة السياسية المتمثلة في حقي المشاركة والمساءلة، وقفزت فوق قيم
الممارسة الديمقراطية.. فإن ما يسمى بالمجتمع المدني ومجتمع المعرفة
ومنظمات حقوق الإنسان صارت بدورها عناوين فارغة المضمون، وأعطته
انطباعاً وهمياً بالانخراط في مجرى الحداثة والديمقراطية في حين أنها
تؤدي دور القناع الثري يغطي وجهه الممارسات الاستبدادية.
1- إشارة إلى مفردات الخطاب السياسي في
السبعينيات – تحرير – ديمقراطية – وحدة عربية.
2- لسماحة الإمام الشيرازي (قدس سره) مؤلفات
تؤكد على أهمية العدل والشورى والأخوة الإسلامية.
aboalibassam@gawab.com |