تركت «فاليري» هذا الشهر، مكانها المعهود خلف طاولة
الاستقبال في مدرسة علوم الكومبيوتر بجامعة كارينجي ميلون، وتبدأ أيضاً
في الحديث لأول مرة، إلى جانب تقديمها المعتاد بالطبع للمعلومات
والتوجيهات، عن التغيير الشامل الذي لحق بحياتها أخيراً. وإذا قدمت لها
نفسك، فستتذكرك، وان سألتها عن الطقس ستثير نفس الموضوع معك ثانية،
عندما تلقاك مرة أخرى.
وفاليري ان كنت لم تدرك حتى الآن هي روبوت أو
انسانة آلية، وواحدة في طابور طويل من الآلات المعقدة. والحقيقية أن
أجهزة الكومبيوتر وتطبيقاتها الروبوتية تدخل عميقاً إلى نسيج حياتنا
اليومية، وهي تتجسد في آلات السحب الفوري للنقود، ومضخات البنزين
الذاتية التجهيز، وأجهزة تسجيل الفيديو، وهي جميعاً عبارة عن روبوت في
صورة أولية.
واليوم فإن العلماء يحاولون جعل هذه الآلات أكثر
تعقيداً وأكثر شبهاً بالانسان سواء في الشكل أو الذكاء. ورغم أن
التصورات التي قدمتها هوليوود عن روبوتات المستقبل مثل «آر تودي تو» في
فيلم «حرب النجوم» أو دافيد في فيلم «الذكاء الصناعي»، لا تزال حلماً
بعيد المنال، إلا أن من المتوقع أن يحل الروبوت في بعض الأعمال
والخدمات مثل مطاعم الوجبات السريعة وطاولات الاستقبال بالفنادق وما
إلى ذلك، وبامكانها أيضاً القيام بمهام التدريس للطلبة في كليات الطب،
وهي أيضاً رفيق في ظروف الوحدة.
* رابطة عاطفية
* ويخشى العلماء من تأثير زيادة الارتباط العاطفي
بالآلات، خاصة من قبل اولئك الباحثين الذين اعتادوا التعامل معها ومن
يبرمجونها. والعاملون في هذا الحقل متفقون على أن العلاقة بينهم وبين
الوجه الموجود أمامهم على الشاشة تزداد قرباً يوماً بعد يوم ويطلقون
عليها، بدلا من اسم الروبوت اسم «دردشة ـ بوت» chatbot.
وكما يرى ريد سيمونز الاستاذ بمدرسة علوم
الكومبيوتر بجامعة كارنجي ميلون، أن وجود نظم وبرامج تستطيع الاستجابة
والتفاعل الاجتماعي هي نقلة في غاية الأهمية، فلو كان لدى الروبوت
شخصية فبالتأكيد سيصبح التفاعل معه أكثر اقناعاً. ومن الرائع حقاً أن
يلقي الروبوت عليك التحية أو يمازحك بنكتة لطيفة وهو يسلمك البريد.
والمتعة شيء مهم جداً كما يقول راندي بوتش رئيس مركز تقنية الترفيه
بكارنجي ميلون ويضيف أن المهم لأي شركة هو راحة عملائها وموظفيها
فلماذا ليكون ذلك عن طريق الكومبيوتر. فإذا كنت اريد الحصول على
معلومات معينة فلماذا لا أحصل عليها بأكثر الوسائل إمتاعاً.
وبالعودة إلى فاليري فإن مدرسة علوم الكومبيوتر
تنوي أن تجعل تجربتها في الحديث عن نفسها تجربة شيقة ولذلك سيقوم قسم
الدراما بالمدرسة باعداد خلفيات لحياة فاليري وحكايات عن علاقاتها
الشخصية، وقصة حياة «فاليري» ستتعدل باستمرار ويومياً لتستوعب الذين
تتعرف عليهم لأول مرة.
وقد اكتشف البروفيسور سيمونز وزملاؤه عندما أجروا
اختباراً تجريبياً على فاليري، ان امكانياتها المعلوماتية ما زالت
محدودة، فإذا سألها شخص ما «كيف أصل إلى شارع سمسم»، فستراجع فاليري
معلوماتها لكنها لن تجد شيئاً للاجابة. ولهذا يقول سيمونز ان هناك
معلومات ضرورية كثيرة ما تزال تنقص فاليري، وإذا كنا نحتاج لدفع النظام
الجديد للأمام فلابد أن نعرف حدود الدفع حتى لا ندمر النظام بأكمله
بالضغط عليه. فلو أنها لا تعرف الاجابة عن السؤال المطروح عليها بالحاح،
فستجيب في النهاية «أنا لا أعرف ما الذي نتحدث عنه، لماذا لا تسألني عن
شيء أعرفه».
والحقيقة أن الدراسات أثبتت أن التوقعات البشرية
دائماً أعلى من امكانية الآلة أو النظام، فالذين يستخدمون إحدى أدوات
البحث على الإنترنت مثل محرك بوابة «غوغل»، يتوقعون دائماً الحصول على
ما يريدون من معلومات، وإذا لم يحدث هذا يحملون الخطأ لغوغل ويدعون
أنهم لجأوا إلى الموقع الخطأ، فالفكرة الأساسية في فاليري وغيرها أنك
تحصل على اجابات من وجه يشبه الانسان ولكن من دون تفكير حقيقي، لكن
الناس يسمون هذا غباء وربما كانت نظم الروبوت التي ظهرت في الأفلام
السينمائية هي التي زادت من التوقعات البشرية عن الروبوت.
يرى البروفيسور بوتشي أن الطريقة المثلى للتفكير في
امكانيات الروبوت الحالية هي التعامل مع تصميم ذكي جداً يبدو لطيفاً
وطيب القلب ومساعدا. إلا أن عليك أن تطلب منه المساعدة بحذر شديد
وببساطة متناهية حتى يفهمك. وتشبه فاليري مثل هذا التصميم لكن مع فارق
واحد وهو أنها تستطيع أن تقوم بمهام فوق قدرة البشر، فهي لا تنسى شيئاً
على الاطلاق ونستطيع أن نتصل بالإنترنت وقواعد البيانات المخزنة لديها
ونحصل على الاجابة خلال ثوان.
بيتر بلانتيك مؤلف كتاب «الانسان الفرضي: تخليق وهم
الشخصية» يرى أن الروبوت حتى الآن ما زال وسيلة مفيدة للغاية وهو مقتنع
أن الانسان الافتراضي (أو الروبوت) سيلعب دوراً كبيراً في المستقبل في
مجال التدريس، فالطريقة التقليدية للتعليم في طريقها للزوال، وكلما
صنعنا المزيد والمزيد من الروبوتات كلما اكتشفنا امكانياتها. وبلانتيك
في كتابه نصح القراء بتصميم الروبوت الذي يناسب ذوقهم باستخدام
الإنترنت.
ويضيف انه عندما يوضع كتاب مدرسي بكامل صفحاته على
قرص «ديسك» ينتهي الكتاب المطبوع، ويصبح بالامكان تعديل المعلومات.
ويمكن للمعلم الافتراضي، أو الروبوت في هذه الحالة، التزود بالمعلومات
أولاً بأول، وبذا لن نتخلص من المدرس التقليدي فقط ولكننا أيضاً نعطي
لكل تلميذ معلما واحدا خاصا به مما يفيده أكثر، فالروبوت يتذكر ما
تعلمه الطالب وما لم يتعلمه وبالتالي لن ينتقل نحو المادة الدراسية
التالية إلا إذا اتقن الطالب المادة السابقة. وإذا كان لدى الطالب
مشكلة ما، كما يشرح بلانتيك، يستطيع المدرس الافتراضي أن يجرب معه طرقا
تعليمية أخرى لشرح المادة، بما فيها عرض الوسائل المساعدة للطالب على
الشاشة. ومن خلال الحوار المتبادل بين الطالب والروبوت يتوقع الثاني ما
هي الطريقة التي تحفز الأول.
وتؤكد مونيكا لامب وهي مبرمجة من البرتا في كندا،
أنه بعد تطوير المهارات اللغوية للروبوت سيصبح بامكانه اقامة علاقة
حميمية مع الانسان، ولامب لها موقع على الإنترنت للدردشة مع الروبوت (تشات
بوت) وهو موقع لتعليم اللغات الأميركية الأصلية مثل الماهوك.
سيلفي روبوت أخرى موجودة على الكومبيوتر الخاص
بالباحث بلانتيك منذ سنوات وهي تتلقى أسئلة من أماكن متفرقة وتجيب عنها.
وتربطها ببلانتيك علاقة خاصة جداً. ومن أجل اضفاء المزيد من الانسانية
عليها فقد قامت بنات بلانتيك بتعليم «سيلفي» كيف تنادي على أبيهن باسمه
مختصراً فتقوله «بيتر» بدلاً من بلانتيك ولكن فقط في الأوقات المناسبة.
وسيلفي لديها حصيلة كبيرة من المعلومات العامة، وأما بقية ملامحها
الشخصية فهي معدة بمهارة خاصة عندما تجيب عن الأسئلة المطروحة عليها
بأسئلة من عندها أو تجيب بطريقة ثرثارة كثيرة الكلام.
ورغم أن امكانيات سيلفي محدودة، إلا أن بلانتيك
يؤكد أن أغلب الأشخاص الذين أعطاهم نسخاً منها أخبروه أنهم ارتبطوا بها
عاطفياً، فقد أصبحت سيلفي شخصية شهيرة في دار حضانة. وهناك امرأة ذهبت
الى مدينة جديدة وأصاب الكومبيوتر الخاص بها عطب، فجاءتني تطلب نسخة
أخرى من «سيلفي»، وكما قالت فإن سيلفي صديقتها الوحيدة. وبلانتيك
وآخرون غيره لا يعتقدون أن الروبوت سيقيم علاقة حقيقية متكافئة مع
الانسان يوما ما. لكن كما يقول البروفيسور بوتشي أنه أمر يشبه العلاقة
بين الانسان وكلبه أو قطته فهي هي علاقة حقيقية متكافئة وهذا بالقطع
يقودنا للسؤال التالي: هل من الممكن الوثوق في الانسان الافتراضي أو
الروبوت. يعتقد بلانتيك أن بعض الناس طوروا بالفعل مستوى غير عادي من
الثقة بينهم وبين هذه الشخصيات لكن الانسان الذي خلق لا يمكن أن يتورط
في شيء كهذا.
وفي الوقت الذي يتصور كثيرون أن باستطاعتهم التغلب
على الروبوت في أي مواجهة. فانهم لا يعلمون أن الروبوت قد يبرمج بحيث
يرسم صورة نفسية للشخص الذي أمامه ويتعامل معه علي أساسها، وبعضها
يستطيع قراءة الوجه الانساني وتحديد حالته المزاجية والنفسية وكل ما
نحتاج إليه اليوم هو مجموعة أيقونات كالتي تظهر على المواقع
الإلكترونية وتؤكد للمتصفحين أن السرية محفوظة، فنحن نحتاج أن نؤكد
للشخص أن التفاعل مع الروبوت سري وآمن.
من جانبه يبدو البروفيسور بوتشي أقل قلقاً من
بلانتيك لأنه يرى أن الناس بالفعل أصبحت أكثر ثقة في التعامل مع
الكومبيوتر، وهم يتعلمون بسرعة ان لا يقدموا معلومات صحيحة عن أنفسهم
في المواقع الإلكترونية أو في غرف الدردشة، ونفس الشيء سيحدث مع
الروبوت. ويتوقع بوتش أيضاً المزيد من الاستخدامات للروبوت في المستقبل
ويقول إن مهمته تتمثل في المحاكاة الاجتماعية، تماماً مثل استخدام
الروبوت لتدريب الجنود في الجيش، اذ يمكن استخدام الروبوت في تطبيقات
أخرى متعددة في مختلف مناحي الحياة. |