لم يعد معظم أعضاء مجلس الحكم في العراق يدعمون
خطة ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش الخاصة باختيار حكومة مؤقتة عبر
المجالس المحلية، وبدلا من ذلك يريدون أن يتولى المجلس نفسه السيادة
الى أن يحين موعد اجراء انتخابات، وفقا لما قاله عدد من أعضاء المجلس.
وفي مسعاها لارساء الأساس لنظام سياسي في العراق
يتجنب التطرف ويصون وحدة البلاد، كانت الادارة الاميركية قد أرادت
تشكيل جمعية وطنية انتقالية وحكومة انتقالية تختارهما مجالس محلية مدقق
فيها بعناية لادارة العراق حتى نهاية عام 2005. واقتراح المجالس الذي
اتفق عليه مجلس الحكم مع سلطة التحالف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي،
هو حجر الزاوية في خطة الادارة لانهاء الاحتلال المدني للعراق في الصيف
الحالي.
ولكن ارتباطا بمطالبة الزعماء الدينيين الشيعة
العراقيين باجراء الانتخابات قبل ذلك ـ والتوقع المتزايد بأن الولايات
المتحدة ستدعو الى اجراء انتخابات نهاية العام الحالي أو بداية العام
المقبل ـ انسحب غالبية أعضاء مجلس الحكم بهدوء من دعم خطة المجالس
المحلية.
وقال غازي الياور، عضو المجلس وهو مسلم سني، ان
«المجالس المحلية تعتبر موضوعا منتهيا الآن». وحتى وقت قريب كان السنة
العرب والأكراد، الذين يبلغ عددهم 12 من أصل 25 من أعضاء مجلس الحكم،
العناصر الأقوى في دعم فكرة المجالس المحلية. ولكن في الأيام الأخيرة
انضم عدد من أعضاء المجلس السنة الى الأغلبية الشيعية في معارضة الخطة
الأميركية لنقل السلطة. وقال سمير شاكر الصميدعي، عضو مجلس الحكم، ان
التخلي عن نظام المجالس ونقل السلطة الى مجلس الحكم يوم الثلاثين من
يونيو (حزيران) ـ وهو الموعد الذي وعدت الادارة بتسليم السلطة فيه ـ هو
الآن «الشيء الأكثر مقبولية». وقال الزعيم الكردي البارز وعضو مجلس
الحكم جلال طالباني يوم الأحد الماضي انه، هو أيضا، يريد أن يتولى
المجلس السيادة الى أن تتوفر امكانية اجراء الانتخابات.
ويطرح فقدان الدعم لفكرة المجالس المحلية تحديا
معقدا أمام سلطة الاحتلال الأميركية. ومجلس الحكم مكون من بعض الزعماء
السياسيين الرئيسيين في البلاد. وقال مسؤول أميركي «من الصعب تصور
انجاز المجالس المحلية دون مجلس الحكم. فما الذي يحدث عندما يقول هؤلاء
الأشخاص انهم لا يدعمون العملية ؟ لا يمكن انجاز المهمة».
وقال مسؤولون أميركيون كبار ان دوافع المجلس
ذاتية الى حد كبير. فمع احتمال اجراء الانتخابات أوائل العام المقبل،
فان السيادة تمنح أعضاء المجلس نفوذا سياسيا لا يضارع في الأشهر التي
تسبق الانتخابات، مما يوفر لهم المشاركة في العملية وتوجيه صناديق
الاقتراع حسب ما يريدون.
ويقول مسؤولون أميركيون ان حكومة مؤقتة يجري
اختيارها عبر المجالس المحلية يمكن، حتى اذا ما كانت المشاركة محدودة،
أن تؤدي الى اختيار مجموعة من العراقيين أكثر تمثيلا ومسؤولية من مجلس
الحكم الذي ساهم بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي للعراق في اختيار
اعضائه. وكانت ادارة بوش تأمل في أن تؤدي المجالس المحلية الى ظهور
كفاءات سياسية جديدة تتحدى الزعماء المنفيين السابقين الذين يهيمنون
على المجلس على نحو فعال.
ويتجلى رفض المجلس لفكرة المجالس المحلية
باعتباره النزاع الأكثر خطورة بين أعضاء المجلس وسلطة التحالف ، مما
يضع ادارة بوش في وضع صعب لنقد مجموعة هي التي جمعتها الصيف الماضي
ودعمتها باعتبارها «هيئة الحكم الأكثر تمثيلا في تاريخ العراق».
وتساءل مسؤول أميركي كبير «كان مجلس الحكم هيئة
فعالة خلال هذه المرحلة، ولكن هل هو الهيئة المناسبة لتسليمه كامل
السيادة؟ هل يتمتع بصفة تمثيلية كافية ؟ ومن هي الجهة التي يخضع
لمساءلتها؟ وهل سيرى العراقيون أنه شرعي ؟».
وقال أعضاء المجلس ان نظام المجالس المحلية مثير
للجدل كما أنه يتطلب جهودا كبيرة، خصوصا اذا ما أريد للانتخابات أن
تجرى أواخر العام الحالي. وقال الياور انه «اذا كان (نظام المجالس)
لفترة ستة أشهر فقط فالأمر لا يستحق كل هذا الجهد».
وتدعو خطة الادارة الى عقد مجالس محلية في
محافظات العراق الـ 18. ويجري اختيار 15 من المشاركين في كل مؤتمر من
جانب مجلس الحكم والمجالس المحلية.
وقال فيصل الأسترابادي، كبير مساعدي عدنان
الباجه جي، عضو مجلس الحكم «ان نظام المجالس المحلية يبدو مرهقا وشاقا
الى حد أنني لست واثقا من أن الفكرة ما تزال تتمتع بقوة الآن».
وكان جميع أعضاء مجلس الحكم تقريبا قد أقروا خطة
المجالس المحلية عندما اقترحها بريمر في اجتماع خاص عقد في الخامس عشر
من نوفمبر الماضي. ولكن دعمها في أوساط الشيعة بدأ يتضاءل بعد أن رفض
المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني، الخطة باعتبارها «غير
شرعية»، بعد اعلانها مباشرة، ودعا الى اختيار الحكومة المؤقتة عبر
انتخابات مباشرة قبل تسليم السلطة يوم الثلاثين من يونيو المقبل.
ويرى المسؤولون الأميركيون انه من المستحيل
اجراء انتخابات قبل يونيو المقبل لأن العراق يفتقر الى الأمن الكافي،
وقانون انتخابي، وسجلات ناخبين، ومعدات استفتاء.
وأدت مطالبة السيد السيستاني هذه وتراجع الدعم
الشيعي للخطة الى ايقاف تنفيذ خطة المجالس، وهو ما دفع ادارة بوش الى
دعوة فريق من خبراء الأمم المتحدة، يقودهم وزير الخارجية الجزائري
السابق الأخضر الابراهيمي، لتقرير ما اذا كانت الانتخابات المبكرة
ممكنة. وغادر الابراهيمي وفريقه العراق نهاية الأسبوع الماضي بعد قضاء
أسبوع من اللقاءات مع زعماء سياسيين ودينيين واجتماعيين.
وأشار الابراهيمي الأسبوع الماضي الى أنه يعتقد
ان الانتخابات المباشرة في عموم البلاد يمكن أن تجري أواخر العام
الحالي، وفقا لأشخاص التقوا به. وعلى الرغم من أن زعماء الشيعة يفضلون
اجراء الانتخابات قبل ذلك، ومنافسوهم من الزعماء السنة يريدون اجراءها
في وقت لاحق، فان الطرفين، على ما يبدو، مستعدان لتبني فكرة الانتخابات
في نهاية العام، وفقا لما قاله عدد من الاعضاء السنة والشيعة.
وارتباطا بتزايد التوقعات بأن الابراهيمي سيدعم
فكرة اجراء الانتخابات أواخر العام الحالي أو أوائل العام المقبل،
تراجع الأعضاء السنة عن دعم فكرة المجالس المحلية. وقال طالباني، الذي
استضاف اجتماع الخامس عشر من نوفمبر في قصره الفخم المطل على نهر دجلة
والذي كان من الداعمين بحماس لاقتراح المجالس المحلية، قال يوم الأحد
الماضي ان «الانتخابات هي أفضل سبيل للتعبير عن آراء الشعب العراقي».
وقد رفض أحمد الجلبي، الشيعي المعتدل الذي يعتبر
حليفا لكثيرين في ادارة بوش، هو الآخر خطة المجالس المحلية، داعيا الى
اجراء انتخابات قبل يونيو. وقال مسؤول في المؤتمر الوطني العراقي انه
اذا لم يحدث ذلك فان المؤتمر سيدعم، أيضا، تسليم السيادة الى مجلس
الحكم.
وقال دانيل سينور، المتحدث باسم بريمر، ان سلطة
التحالف «مستعدة لاجراء تدقيقات وتعديلات على العملية». واذ يتوقعون
قبولا باجراء انتخابات أواخر العام الحالي، يحاول مسؤولون أميركيون
كبار في بغداد وواشنطن على نحو مسعور اعداد طائفة من خطط الطوارئ. ومن
بين الخيارات التي يدرسونها نسخة معدلة جذريا من اقتراح المجالس
المحلية. وهم يفكرون، أيضا، في ما اذا سيسلمون، ببساطة، السيادة الى
مجلس الحكم، سواء في صيغته الحالية أو بصيغة اخرى موسعة يمكن أن تعتبر
من جانب العراقيين أكثر تمثيلا وشرعية. ولكن توسيع المجلس يمكن أن يثير
نزاعا بين السنة والشيعة والأكراد، فكل منهم يريد زيادة حصته من مقاعد
المجلس.
وقال أحد الأميركيين المعنيين بعملية الانتقال
السياسي انه «لا توجد خيارات جيدة بالنسبة لنا. فلكل خيار عيوبه الجدية».
وعندما سئل بريمر منذ يومين عن احتمال تسليم
السيادة الى المجلس قال انه يدرس سبل «توسيع التمثيل في العملية
السياسية» ولكنه يريد أن يرى تقرير الابراهيمي قبل اتخاذ أية قرارات.
ويرى بعض أعضاء المجلس أن الخيار الأفضل يتمثل
في توسيع المجلس وتجديد تركيبة زعامته، والغاء نظام الرؤساء التسعة
الدوريين لصالح رئيس وزراء واحد. |