يحتاج المسلمون والعرب لأدوات جديدة تمكنهم من
الدفاع عن مصالحهم في الولايات المتحدة، ومن أهم الأدوات المطلوبة -
والتي تكشف عنها خبرة مسلمي وعرب أمريكا خلال الفترة الراهنة –
المؤسسات الجماهيرية المحترفة.
المؤسسات الجماهيرية المحترفة هي نوع من أنواع
الهيئات التي يمكن أن تقوم على رعاية مصالح المسلمين والعرب في أمريكا،
ولتوضيح معنى تلك الأداة الهامة سوف نلخص خصائصها في صفات أربعة أساسية.
الصفة الأولى هي التنظيم، فالمؤسسات تبدأ
كمنظمات تمتلك تصور واضح لدورها في المجتمع الأمريكي يعرفه القائمون
عليها والمساندون لها والمتعاملون معها.
الصفة الثانية هي الاحتراف، فلكي تصبح منظمة ما
محترفة يجب أن تكون على مستوى عالي من التنظيم والتقسيم الإداري
الداخلي، وذات قدرة على القيام بعدة وظائف متميزة داخل المجتمع
الأمريكي تصب بشكل مباشر في تحقيق أهدافها وفي تحقيق مصالح مسانديها.
كما يجب أن تعتمد في عملها على خبراء يتمتعون
بالمعرفة والخبرة العملية في مجال تخصصهم وبقدر ما من الاستقرار في
وظائفهم، فعلى سبيل المثال يستحيل بناء منظمة تدافع عن صورة الإسلام في
أمريكا دون أن يقوم على قيادتها عدد كافي من خبراء الإعلام والعلاقات
العامة الأمريكيين أو المدربين لسنوات كافية بالولايات المتحدة.
وفي مجال الشئون السياسية تحتاج منظمات المسلمين
والعرب الأمريكيين لخبراء في مجال اللوبي والعلاقات العامة يصعب
تنشئتهم خارج المؤسسات السياسية الأمريكية نفسها مثل الكونجرس والبيت
الأبيض والوزارات المختلفة علاوة على شركات اللوبي والعلاقات العامة
التي تكتظ بها واشنطن.
الصفة الثالثة هي المؤسساتية، لأن احتراف
المنظمات لا يكفي لكي يجعلها مؤسسات إذ تحتاج المنظمات لتحقيق هذا
الهدف لأن تستمر في عملها لسنوات طويلة وأن تتفوق وتتميز في أدائها
بشكل يزيد من مسانديها ويجعلهم راغبين في الانضمام إليها ونشر فكرها
الواضح وأسلوب عملها المتميز وافتتاح فروع ومكاتب جديدة لها تكرر
تجربتها على مستويات جغرافية ومهنية مختلفة.
فعلى سبيل المثال لكي تتحول منظمة ما قائمة على
حماية حقوق المسلمين والعرب المدنية في أمريكا إلى مؤسسة حقوق مدنية
تحتاج هذه المؤسسة لسنوات من العمل الجاد والمتميز لكي تثبت لمسانديها
ولخصومها أنها قادرة على الدفاع عن حقوق المسلمين والعرب بالشكل
وبالأسلوب الصحيحين بدرجة تجعل مسانديها راغبين طواعية في تحمل أعباء
تكرار تجربتها أينما كانوا، والمساهمة في نشر أفكارها وأسلوب عملها
وثقافة الحقوق المدنية التي بنتها عبر سنين عملها.
الصفة الرابعة هي الجماهيرية، ولكي تصبح مؤسسة
ما مؤسسة جماهيرية لابد وأن تكون مستقلة بشكل شبه كامل عن الدعم
الحكومي، وأن تعتمد في جمع غالبية مواردها على تبرعات مسانديها من
الأفراد والهيئات غير الحكومية، وأن تجد صيغة ما مناسبة ومعروفة تعطي
مسانديها القدرة على التأثير في قراراتها، وأن تصبح مسئولة أمام
مسانديها ومحكومة بإرادتهم.
جماهيرية المؤسسات المسلمة والعربية الأمريكية
هي خاصية ضرورية يصعب الاستغناء عنها لعدة أسباب على رأسها طبيعة
الولايات المتحدة كدولة تترك جزء كبير من سلطة التأثير على الرأي العام
وصناع للقرار للمجتمع المدني ذاته، كما أن المجتمع الأمريكي حر مفتوح
بعيد عن سلطة الدولة في أغلب الأحيان، ولذا لا توجد أية صيغة حكومية
تربط المجتمعات الإثنية والدينية والعرقية الأمريكية المختلفة بالدولة،
فليس هناك مجلس أو هيئة حكومية ترعى شئون المسلمين أو المسيحيين أو
العرب أو اليهود الأمريكيين، فدور الدولة الأمريكية بعيد عن هذا المجال
المتروك للجماهير أنفسهم.
كما أن جماهيرية المؤسسات المسلمة والعربية
الأمريكية هي ضمانة أساسية لعدم انحرافها عن مسارها الصحيح وهي خدمة
قضايا غالبية المسلمين والعرب، ومن ثم كلما زادت رقعة مساندي منظمة ما
كلما كان ذلك علامة على صحتها وقدرتها على التأثير.
المؤسسات الجماهيرية المحترفة بخصائصها الأربعة
السابقة - وهي التنظيم والاحتراف والمؤسساتية والجماهيرية - يندر
العثور عليها في الأوساط المسلمة والعربية الأمريكية إلا في حالات
نادرة لأسباب عديدة مثل قلة خبرة المسلمين والعرب المهاجرين بالعمل
المؤسسي المنظم في مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية بسبب نشأتهم في
مجتمعات لا تشجع النشاط السياسي أو مجتمعات تقوم على رعاية النشاط
الاجتماعي فيها مؤسسات تقليدية مثل الأسرة الممتدة أو الأصدقاء أو
المعارف أو المحيط الاجتماعي العام المسلم.
أضف إلى ذلك ندرة الخبراء المسلمين والعرب في
مجالات العمل السياسي والإعلامي والقانوني بسبب عدم وجود أعداد كافية
منهم بالمؤسسات الأمريكية الكبرى المتخصصة بتلك المجالات.
كما أن طبيعة المسلمين والعرب في أمريكا شديدة
التعدد - خاصة في أوساط المسلمين الأمريكيين والذين ينتمون إلى عدد
كبير جدا من الجماعات الإثنية والعرقية واللغوية - تجعل من خبرة العمل
الجماعي تحديا كبيرا.
أضف إلى ذلك أن المؤسسات تحتاج لوقت طويل وموارد
ضخمة لبنائها كما تنفق جزء من مواردها في تقوية جذورها الإدارية
ورأسمالها البشري والمادي وهي أمور لا يحتاجها الأفراد على سبيل المثال.
التحديات السابقة لم تمنع من نشأة عدد متزايد من
المنظمات المسلمة والعربية يسير بعضها حاليا بخطى ثابتة نحو بناء
قواعدها كمؤسسات جماهيرية محترفة.
الدرس الأساسي هنا هو ضرورة أن يغير المسلمون
والعرب فكرهم فيما يتعلق بسبل العمل مع الشعب الأمريكي من الداخل، وأن
يتعمدوا التفكير في الأدوات والبرامج التي أثبتت فعاليتها في التأثير
على أمريكا، وآلا يكتفوا بالجدل حول إمكانية وأهداف العمل من داخل
الولايات المتحدة لخدمة قضايا المسلمين والعرب، لأن مثل هذا الجدل - إن
لم يكن مدعوما بتقييم علمي لخبرة مسلمي وعرب أمريكا والجماعات الأمريكي
الأخرى في العمل من داخل النظام الأمريكي - لن يقود إلى أية حلول عملية
على أرض الواقع.
كما أنه قد آن الأوان للمسلمين والعرب للعمل
الجماعي المنظم وإدراك معني وأهمية بناء مؤسسات مسلمة وعربية أمريكية
جماهيرية محترفة.
*مدير الشئون العربية بكير |