لا يوجد شيء برقة واناقة رقص الفراشة في نسيم الهواء، وكما بينت البحوث الحديثة فلا يوجد شيء خاضع لمهندسي الطيران مثله. وبعد قضاء عدة سنوات لبناء نفق ريح هادئ قام علماء في جامعة اكسفورد بأخذ صور رقمية فائقة السرعة لفراشات بحالة الطيران وللحركات الدقيقة واللولبية لأجنحتها في سحاب من الدخان.

وهذه اول مرة يقوم شخص ما بأخذ صور تبين حركة اجنحة الحشرات الطائرة. وتبين فراشة «الاميرال الاحمر» رشاقة مذهلة وحركات معقدة اثناء الطيران. ولا تستخدم هذه الفراشة عدة حركات اجنحة مختلفة فقط وانما تستخدمها في حركات متتالية، ويقول الدكتور ادريان توماس وهو باحث زائر في معهد السمثسونيان الاستوائي في بنما ان حشرة واحدة تستخدم كل الاساليب الجوية المعروفة للطيران.

وعوضا عن التحول من حركة معينة للاخرى مع ازدياد سرعة الطيران تتبع الفراشة اسلوبا يشبه اسلوب لاعب الجمباز، اي تغيير النمط من دون ترتيب متسلسل.

ويقول الدكتور مايكل ديكنسون الذي يدرس حركة طيران الحشرات في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: انه بالرغم من معرفة حركات الاجنحة وانظمة الطيران المختلفة فقد بين هذا البحث اول ادلة حول استخدام الحشرات الطائرة لهذه الانظمة. ويضيف ان هذا مجال جديد في البحث، اذ يعرف العلماء كيف تطير النحلة بعدما كان الاعتقاد القديم انها عملية مستحيلة. ولقد تم التعرف على انظمة طيران الحشرات، والتحدي الآن هو معرفة كيف تستخدم الحشرات هذه الانظمة.

ويوجد ايضا تحد وفرصة امام صانعي الآليات الطائرة الصغيرة التي قد تستخدم بغرض التجسس. ويقول الدكتور رافال زبكوسكي في جامعة كرانفيلد في بريطانيا: ان الفراشة تمكنت من اجراء مناورات معقدة باستخدام نظام سيطرة عصبي ودماغي بسيط جدا. ويضيف انه اذا استطاع مهندسو الطيران فهم هذه العملية فستحدث ثورة في عالم الطيران.

وبالنسبة للدكتور توماس كان احد العوائق امامه هو صنع الاجهزة التجريبية. ويقول: انه بدأ بالتجربة قبل اثنتي عشرة سنة، وكان الشيء الاساسي هو صنع نفق ريح هادئ لأن الفراشة لا تحتاج لريح وانما لنسيم فقط. وقام الدكتور توماس بصنع نفق طوله خمسة اقدام وعرضه 20 بوصة وارتفاعه 20 بوصة مجهز بعدد من الفتحات والحواجز لتهدئة تيارات الهواء الناتجة عن مروحة.

اما الاضاءة فكانت من اضواء سيارة موصولة ببطارية سيارة لأن اي اضواء اخرى تولد برقا مزعجا، ويبرق الضوء اللامع «الفلورسنت» مثلا مائتي مرة بالثانية مع ان عين الانسان لا تلحظ اللمعان، لكن لعين الفراشة فهو مزعج جدا.

وللحصول على نوع الدخان المناسب استخدم العلماء زيتا يستخدم في نماذج القطارات. وتم تقطير الزيت على سلك رفيع ساخن لينتج ادنى السحب من الدخان الابيض غير السام. وتم استخدام ركيزة كرة جولف تسمى «تي» مغموسة بالعسل لتكون بمثابة زهرة صناعية تجذب الفراشة. وقد يتضمن نمط طيران الفراشة عوامل عشوائية تفاديا لجذب انتباه الحشرات المفترسة. لكن الفراشات التي لا يتم اصطيادها بنفس النسبة مثل «فراشة الملك» فإنها تتبع نمط طيران مباشر. ولعملية التصوير فإن لفراشة «الاميرال الاحمر» ميزة مهمة: اذ توجد في اقدامها مجسات تقيس تدفق الهواء، وقبل ان تطير تقوم برفع احدى اقدامها هذه لتقيس تدفق الهواء، وبذلك يعرف المراقب ان الفراشة على وشك الطيران.

ويقول الدكتور توماس: ان من الاساليب التي تتبعها الفراشات هو دوران الاجنحة في نهاية حركة الى الاسفل التي تولد نوعا من الدوران الرجعي الذي يزيد من قوة الرفع. وتستخدم الفراشات اسلوب الصفق والتقشير مع صفق اجنحتها، ثم تقوم بفتحها مبتدئة من الامام وحتى الخلف ويؤدي هذا لزيادة قوة الدفع. وللفراشات اسلوب يقوم باستغلال الدفع الناتج عن حركات سابقة.