لا تقم قائمة عدالة بالعراق ويعيش الناس فيه
بطمأنينة وسلام ما لم يأخذ القانون العراقي طريقه في الثأر بالحق من
مجرمي العهد الصدامي البائد ومن تعاون معه على أي صيغة قوّت من شوكته
الإرهابية.
الحد الفاصل بين هذا الشهر كانون الثاني 2004م
والأشهر التالية التي سيصدر فيها الدستور العراقي الجديد الدائم ليس
ببعيد وبإصدار الدستور العراقي الآنف ستبدأ مرحلة جادة لعمل جاد من أجل
إزالة آثار ما تركه النظام الصدامي الخائن من تخريب وضياع حقوق
وتجاوزات نفوذ يندي لها جبين حتى (السرسرية) أينما تواجدوا على وجه
الأرض.
فماذا يتذكر شعب العراق من حكم صدام وفريقه
السياسي؟ وأي سلوك همجي سلكوه ضد بني جلدتهم من العراقيين؟ ولمن يمكن
توجيه العتاب الأكبر لما حدث، هل للقوى الأجنبية التي أوصلت صدام
وفريقه السياسي لدست الحكم؟ أم لهؤلاء الناس الذين كانوا أناساً طيبين
عاديين وفجأة قبلوا أن يكونوا أدوات إرهابية (ويد السلطة الإجرامية
الطولى) إذ قبلوا أن يكونوا ضمن أفراد عصابة الحكم وينكلوا بأحرار
العراق من المواطنين السياسيين المخلصين للبلاد وكذلك بالمواطنين
اللاسياسيين ممن كانت كلمة الإخلاص للوطن والشعب ديدنهم بصفتهم
كـ(مواطنين مستقلين) عن العمل السياسي؟ وكيف رضي من تعاون مع السلطة
البائدة وأجهزتها المخابراتية الممعنى بالإجرام لأجل إلحاق الأضرار
الفادحة التي لا تقدر بثمن ضد المواطنين الأبرياء تحت حجة الدولة
الصدامية على ضرورة (شيوع الإرهاب) لأن ذلك كان ركن من أساسيات إدامة
وإطالة فترة ذاك الحكم؟ وأخيراً كيف أجاز من أنضم إلى توجهات الحكم
الصدامي وأنتمى إلى فريقه السياسي وعمل على تقديم حرائر العراق لقمة
سائغة لذئاب أزلام السلطة وكيف رضوا أن يضيفوا صفة (الاستقواد
الاجتماعي) إلى حالة (استقوادهم السياسي)؟ أي عقل وأي ضمير وأي سبب جعل
كل هؤلاء أن يرضوا بما وصلوا إليه من حالة أبعدهم عن خلق البشر؟ وكيف
فرطوا بسمعتهم وأوصلوها إلى الحضيض الذي لا حضيض من بعده؟ ولأجل من؟
ولماذا؟ وكيف لم يفكروا بأن لله سبحانه وتعالى حوبة يسخّرها ضد
الظالمين وأن هناك يوم عسير سينتظرهم؟
واليوم من الواجب الديني والواجب الوطني والواجب
الإنساني أيضاً أن يتجه واضعوا الدستور العراقي الدائم المؤمل أن
يتضمونه فقرات صريحة لا تقبل اللبس وأن تشير إلى أن كل متعاون مع
السلطة البائدة ممن ألحق ضرراً بأي من أحرار العراق أو من المواطنين
العاديين أو استغل نفوذ السلطة وفريقها السياسي سواء كان ذلك الضرر
معنوي أو مادي بما في ذلك حالات انتهاك أعراض النساء مع أعطاء الأولوية
في العقاب المشدد لكل من أزهق روحاً عراقية أو تسبب بذلك أن يحاسبهم
القانون كمشاركين مجرمين وعقوبتهم هي (الموت) فعقوبة القتل العمد (الفاقد
لمبرر القتل) هي القتل وما سيساعد على تضمين الدستور العراقي المؤمل
لفقرة صريحة بهذا الصدد أنه دستور سيتصف باعتبار (الإسلام دين الدولة
في العراق) والذي يذكر القرآن الكريم إجازته بإنزال عقوبة الموت بمن
يستحقها إذ يقول سبحانه وتعالى بكتابه الحكيم: (ولا تقتلوا النفس التي
حرم الله إلا بالحق...)، وكذلك الآية القرآنية الكريمة (ولكم في القصاص
حياة...)، فبذاك فقط سيمكن التمهيد لبناء عراق خالٍ من السياسيين
المجرمين الذين استغلوا عملهم السياسي لمآرب شخصية وهم على رأس السلطة
الحاكمة حيث لم يكن عليهم لا رقيب أو حسيب فقد كانت مؤامرة التنكيل
بالمجتمع العراقي هي السارية ولا أحد ممكن أن يبرأ منها من أزلام
السلطة المقبورة الذين شاركوا بها من قريب أو بعيد.
وحتى لا يكون هناك تسرع في إصدار أحكام فيها من
الشدة أكثر مما ينبغي فإن الدعوة لتقصي حقائق اضطهاد أي من المواطنين
أو المواطنات في العراق أن تكون هي النبراس الأول الذي تنطلق إليه كل
محكمة مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة وضع مراقبة قانونية حيادية لا تسمح
باتخاذ إجراءات قانونية ذات ازدواجية بحيث تحكم على عنصر صدامي قاتل
بحكم عقابي يختلف عما يصدر بحق عنصر آخر قاتل أيضاً، إذ يتطلب الانتباه
أيضاً أن لا يستغل ذلك لأجل تعميم المحسوبيات أو المنسوبيات بطرق غير
متوقعة كـ(احتمال غير مستبعد).
أما عن موضوع الرحمة فينبغي أن لا تشمل إلا من
هو لم يسيء لأحد.. ومع أن هناك أمور فنية كثيرة يحتمل أن تظهر عند
تطبيق بنود القضاء العراقي بقانون الدستور العراقي الدائم المؤمل
إصدارها خلال الفترة الزمنية القريبة إلا أن تدارك ذلك سيكون ممكناً
بصورة مؤكدة فاجتثاث الجريمة السياسية في العراق التي انتهجها نظام
صدام الخائن يمكن أن تنتعش مرة أخرى إ ذا وجدت أرضية سياسية مناسبة.
إن المجتمع العراقي يرفض رفضاً باتاً أن يبقى
الأزلام المجرمين للنظام الصدامي أقوياء ويجولون بالساحة العراقية دون
عقاب لأن عدم المواجهة القانونية معهم سيعني ليس منحهم خطاً أخضراً
يشجع على لَمّ شملهم مرة أخرى وتم تجاسرهم على الشعب بتنظيم انقلاب
جديد يوصلهم إلى السلطة مجدداً فحسب بل سيعني ذلك أن الحكم الجديد الذي
سيعقب حكومة مجلس الحكم الانتقالي في العراق سواء كان حكماً (متعيناً)
أو (منتخباً) هو حكم يخاف أعضاؤه المسؤولون من شوكة أزلام النظام
الصدامي السابق وربما يكون أعضاء الحكومة القادمة لمجرمي صدام
المقصودين يد المصافحة من تحت (العباءة السياسية) ضمن مؤامرة دولية
مستمرة ضد الشعب العراقي وناكرة عليه ضرورة أخذ الثأر لأكثر من (4)
ملايين عراقي وعراقية هم ضحايا ذلك العهد الصدامي الفاشي رغم أن
المطالبة بشكل ذلك الثأر هو شرعي ولا يريده عموم العراقيون إلا أن يكون
ضمن الإطار القانوني ونصوص عقوباته. فبذاك فقد يمكن أن تسمى دولة
العراق القادمة بـ(دولة القانون والمؤسسات الدستورية) |