إن ما يشاع عن الوضع الاجتماعي العراقي –
بالعموم – أكثر مما هو واقع فعلاً.. فالعراق الذي استهدف شعبه وخيراته
انقلابا سنة 1963 وسنة 1968م قد ألحقا به من الأضرار المعنوية والمادية
من تهريب أموال إلى الخارج وخنق الحريات ومحاربة الإسلام ومبادئ
الوطنية في الداخل العراقي، كان وسيبقى مؤثراً على حياة المجتمع
العراقي ويجرى دفع ثمن كل ذلك ليس من معيشته بل ربما من مستقبله أيضاً.
فالمجتمع العراقي الذي كان قبلة الشعوب العربية
والإسلامية في المنطقة قد تعرّض لمزيد من المؤامرات لأجل تخريب نفسيته
وكان الأمل لتخريب نفوس العراقيين عبر سلب مستلزمات العيش منهم
بالتزامن مع شيوع التخريب السياسي وجر أكبر عدد ممكن من الناس إلى بؤرة
الانتماء إلى الصف السياسي الإجرامي المشبوه الذي قاده البكر أولاً منذ
سنة 1968م وأكمله صدام ابتداءً من سنة 1979م واستمرار تصعيد المؤامرة
على الإنسان العراقي المستهدف الأول لذاك الصف السياسي الإرهابي السيء
الصيت لكن استمرار ذلك لأكثر من ثلاث عقود من السنين ما جعل ثقلاً على
صدر العراقيين بما صعب دفعه عن الكاهل العراقي الذي أتعب فعلاً حتى كاد
أن يسدل الأمل السياسي على إجراء أي تغيير محتمل في الوضع السياسي
بالعراق نتيجة لزيادة أحكام قبضة السلطة الصدامية على دست الحكم، وتشتت
جمهور المعارضة السياسية العراقية لتلك السلطة.
لكن الأقدار كانت من حيث لم يتوقع أحد أن هناك
قوى دولية أرادت تغيير النظام السياسي الذي يحكمه بالصورة الظاهرة
الإرهابي الدولي صدام وفريقه السياسي الخائن وجاء هذا التوجه من باب
تصفية بؤر السياسة السلبية التي استفحلت إبان الربع الأخير من حقبة
القرن العشرين المنصرم إذ وضعت تلك القوى الدولية اسم الحكم الإجرامي
بالعراق على رأس القائمة التي ينبغي شمولها بالتغيير وببدء يوم 9 نيسان
2003 الماضي أخذ الناس العراقيون يتنفسون الصعداء بعد أن أعلن عن نهاية
العهد الصدامي المعتدى على حقوق المجتمع العراقي برمته لكن الشك من
نفوس العراقيين أخذ يكبر على صيغة وكيف حدث ذلك؟)
إلا أن ما لم تبينهُ بالأرقام حتى الآن أي دراسة
عراقية حول حجم التركة الثقيلة التي خلفها النظام الصدامي على مختلف
الصعد ومنها الجانب الاجتماعي قد انعكس على حياة الناس فبدأ دبيب الأمل
السياسي لبناء عراق صحي في انتهاجاته السياسية يتصاعد في النفوس وتم غض
النظر لدى عموم العراقيين عمن يكون المحتل ولو مؤقتاً وبعد أن أصبح كل
شيء بالعراق مرتبط بالسياسة وقرارات السياسيين الحاكمين أو شبه
الحاكمين كما في حال مجلس الحكم الانتقالي المنسق مع القوى الأجنبية
التي أصبح زمام الأمور بيدها ميدانياً.
وتعليقاً على دراسة غير عراقية قام بها مركز
الدراسات الاجتماعية في مصر إذ تبين: (أن أعلى نسبة من تأخرن عن الزواج
هي في العراق إذ تبلغ (58%) نتيجة الظروف الاستثنائية التي بقيت شاخصة
بالداخل العراقي منذ فترة طويلة ناهزت (الثلاثين سنة ونيف) وهذا يعني
أن هذه النسبة 58% تمثل العنوسة عند النساء في العراق) وفعلاً فإن
العنوسة في العراق اليوم هي ظاهرة اجتماعية عامة تتوائم مع الوضع
المعاشي المتردي الذي يقترب من حافة الحياة والذي مازال له الأثر
السلبي على الناس.
والعراقيون الذين ينتابهم خوف الآن من المجهول
القادم كان من الطبيعي أن تزدهر فيما بينهم الخرافات واللجوء إلى
السحرة والأطباء النفسيين أحياناً. ومن إفرازات الساحة العراقية حاضراً،
إن زيادة حالات الاكتئاب بين العراقيين تزداد باضطراد خاصة بعد سقوط
نظام صدام وفريقه السياسي ولعل هذا ما لعب دوراً نسبياً في أن تكون
للنشاطات الاجتماعية ومنها مزاولة نشر الرأي لكن هذا النشر ما زاك في
طور البناء الديمقراطي الذي تتحارب فيه الفكرة بالفكرة فقط وليس الفكرة
بالسيف، كما كان في العهد المقبور، وإذ كان موضوع الزواج وإتمام
مراسيمه في عراق ما بعد صدام ونظامه الجاهل يلاقي مصاعب مالية جمة فإن
انعطافة جادة لرفع مستوى المعيشة بالعراق سيكون له أطيب الأثر من حل
مثل هذه المشكلة وغيرها من الإشكاليات التي تعترض المجتمع العراقي.
إن العديد من المؤسسات العراقية أخذت تنتش الآن
ولو ببطئ، ولعل توالي المساعدات الخارجية إلى العراق لتأهيل منشآت
العمل الحلال جدير أن يساهم بالحد من المشاكل الاجتماعية التي تعصف
بحياة العراقيين مثل فقد الأمن والأمان إذ أن ملايين العناصر من منتسبي
الفريق السياسي الصدامي مازالوا يحتاجون إلى استعادة تربية لأخلاقياتهم
اللاسوية بعد أن تنكروا لشعبهم ومارسوا أبشع أنواع الظلم ضد أبنائه
وبناته تحت حجج وهمية كان النظام السابق يختلقها لتمرير مؤامرته الكبرى
بالتعاون مع أسياده ضد الإنسان العراقي.
وإذا ما تم التجاوز أن هناك أزمة سكن مستفحلة في
العراق وتبذل الآن وزارة الأعمار العراقية مع بعض المؤسسات العراقية
والأجنبية الأخرى لوضع حلول آنية وسريعة لها وفقاً لعقود عمل بهذا
الشأن فإن قائمة المتطلبات في زيادة زخم النشاطات الاجتماعية الأخرى ما
تزال تطول وتبحث عن الظروف المالية الملائمة لتنفيذ الخطط النصف طموحة
قبل الطموحة التي يتطلع لها المجتمع العراقي بعد أن أخذت في العراق
جرائم القتل تنشط بشكل ملحوظ بحسب ما أفادت به وزارة الداخلية العراقية
التي ذكرت في بيان أخير لها: (أن هناك أكثر من (50) عصابة تشترك فيها
عناصر نسوية) فقد تعدت حالة ممارسة البغاء لدى أولئك النساء إلى مزاحمة
المجرمين في تنفيذ جرائم التسليب والاتجار بالمخدرات فمثلاً أن مركز
شرطة الأعظمية ببغداد قد رصد حوادث خطف أطفال وتسليب سواق سيارات مما
جمعوه بعد انتهاء يوم من العمل وكذلك الاستيلاء على سيارات وهؤلاء
النسوة يحملن مسدسات إلا أن (اللواء سمير مهدي الوائلي) الوكيل الأمني
بوزارة الداخلية ببغداد قد أفاد بـ: (أن هذه الحالات وإن كانت موجودة
إلا أن نسبتها غير خطيرة وأن ارتفاع هذه المعدلات تزامن مع ارتفاع
معدلات الجرائم عقب الانفلات الأمني أثناء الحرب الأخيرة في بغداد وهذا
في حين يقابل هذا الصورة الإجرامية صورة مأساوية أخرى للأخوات
العراقيات الأرامل اللائي نكبتهن حروب صدام فأصبحن يلتحقن بعمال المسطر
منذ الفجر فعسى أن تظفر أحداهن بعمل ليوم واحد يقي.. عوائلهن من الفاقة
التي كتبها عليهن نظام صدام وفريقه السياسي الذي أوصل المرأة العراقية
العفيفة والتي كانت تعد من أغلى النساء العربيات إلى هذا الدرك المزري
الذي رسمت خطوطه المؤامرة على الفرد العراقي والعائلة العراقية. |