غالباً ما تخفي الانتهاجات السياسية أمراً ما
حين تكون في أوج نشاط من نشاطها في مرحلة ما يسموه بالنضال السلبي –
مثلاً – أي قبل الوصول لاستلام السلطة والغريب أن التطور الكبير الذي
حدث على العلاقات والتلاحمات السياسية وما توضحه السرعة انتشار الأخبار
إلا أن أمور كثيرة مازالت في الخفاء فمرض أغلب السياسيين يخفون أمراً
ما فعادة السياسي أن لا يكشف كل أوراقه دفعة واحدة حتى يكشفها الزمن.
التحكم بالوقائع السياسية لدى سياسيو العراق
المعارضون (أحزاب وحركات، وكتل، وأشخاص..) كان ضعيفاً إذ أن الجميع
كانوا بحاجة إلى جمع الكلمة وتوحيد المواقف و كان ذاك قبل عملية تسقيط
النظام الصدامي البائد الذي طويت صفحته السياسية المخزية بما كان فيها
من إرهاب وقتل أنفس بريئة وتشريد ملايين العراقيين إلى الخارج وما صاحب
ذلك من نهب لأموال الدولة من قبل (رئيس العصابة صدام ذاته) و(أعضاء
فريقه السياسي الناقص) وما لحق بالفريق الصدامي من أشباه الرجال
وشبيهات النساء الذين التحقوا خداماً أذلاء بذاك الفريق الإجرامي غير
السياسي الذي اتخذ من السياسة والحفاظ على السلطة بعد اغتصابها عن طريق
التآمر ثم عممّ شكلها الجائر مدعاة لاستمرار امتيازاتهم المالية
الكبيرة التي تذكر بعصابات (تكساس) الذين كان أفرادها يسطون على البنوك
عند أول إنشاء دولة أمريكا كما لاحظ ذلك أكثر المشاهدين للأفلام
المسماة بـ(أفلام الكاوبوي).
وبزوال نظام عصابة الكابوي الصدامية.. بدأ
الواقع السياسي العراقي يعي لمعنى إزالة النظام المذكور الذي كانت تدور
حوله علامات الشبهات الكبرى حيث بدأت جهات المعارضة العراقية أو
المحسوبة عليها تلتقي من أجل توحيد الكلمة والمواقف فيما بينها لأن ما
جرى في العراق هو بمثابة تجربة لم يسبق أن مر بها أي بلد آخر فزوال
النظام المشبوه قد تم على أيدي أجنبية عسكرية كانت قد أعلنت على لسان
أكثر قادتها أن استمرار النظام الصدامي في حكم العراق يشكل مخاطر على
مصالحها في منطقة الشرق الأوسط برمتها بوقت كان بعض المتابعون
العراقيون.. يسألون سؤالاً مكرراً ويطرحوه هنا وهناك وكان الجواب بكل
مرة يبق معلقاً أو يوضح شيئاً ويخفي أشياء من المصداقية وصيغة السؤال:
(ومن أين وكيف استقوى صدام على شعبه؟!) لكن ومع تعليق الجواب كبر
الهاجس السياسي عند العراقيين الوطنيين ولعل ما هو مطبق الآن من خطوات
حثيثة لاسترداد السيادة والاستقلال العراقيان اللائي باعهما النظام
السابق ما يزال بمدار بحث.
والقوى السياسية العراقية المعارضة التي اتفقت
على المشاركة المؤقتة بمجلس الحكم الانتقالي العراقي حسبما هو مصرح به
وجدت نفسها فجأة أن أحزاب وتجمعات وحركات قد بدأت تظهر وتعارض مجلسهم
على كل صغيرة وكبيرة وهذا ما فتر عزيمة المجلس عن تحقيق ما كان يصبوا
إليه من آمال لاستعادة ما فات البلاد فقد أصبح لتجمع المجلس الانتقالي
معارضة حزبية أيضاً بعد أن وضعت هذه المعارضة المستجدة التي لم يكن لها
أي صوت معارض في فترة زمن صدام أو كان لها صوت يتناقلهُ أصحابه في
السراديب! إذ كان الأجدى أن يصغي الجميع إلى صوت العقل بكثير من الأمور
التي وقعت بعد أحداث 9 نيسان 2003م الماضي فكيف لا يكون هناك تنسيقاً
بين الداخلين على تجمع مجلس الحكم الانتقالي من جهة والباقون خارجه
بحيث يواجه الطرف السياسي العراقي بكل أطيافه الجانب الأجنبي المتمثل
والمتحالفة معه قوى عسكرية دولية أخرى من بلدان أجنبية هي غير أمريكا
وبريطانيا.
ولذا.. يمكن القول أن ظهور قوة الإرهابيين داخل
العراق بمدرستهم العروبية المزيفة التي مازال رموز من نظام صدام
المقبور تحتضنها وتأويها لإعادة الكرّة بكل مرة لتنفيذ عملية إرهابية
جديدة تأتي كل تلك القوة على حساب ضعف الموقف وتشتيت الجهود لدى
الأحزاب والحركات العراقية وعدم توحيد توجهاتها الوطنية نحو الظفر
الحقيقي باستقلال وسيادة العراق إذ لم تستغل هذه النقطة بالذات بالرغم
من أن قوى الاحتلال البريطانية – الأمريكية قد صرحت على لسان قادتها
بأن النية متجهة عندهم نحو منح العراق استقلال وسيادة حقيقيان إلا أن
واقع التشتت لدى الجانب السياسي العراقي القائم هو الذي وضع الأحزاب
والحركات العراقية في وضع ضعيف لا تحسد عليه.
ولعل ما أنجز حتى الآن في العراق منذ سقوط
النظام السابق في نيسان 2003م الماضي هو قليل جداً أمام ما كان ينبغي
أن يحدث ففي المخيلة العراقية العادلة من آمال سياسية ممكنة التحقيق إذ
تبدو الحال العامة للواقع السياسي العراقي الآن بطيئة الحركة، وما يخشى
أن تظل القوى السياسية العراقية مختلفة على توافه التكتيك، ومضيعة
لمتطلبات الاستراتيجية وثم الإبقاء على الدوران في الحلقات السياسية
الفارغة. |