عن العزيز الحكيم في قرآنه الكريم:
(يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كَبُرَ مقتاً
عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
بعد المآسي والأحداث المؤلمة التي شهدتها
البشرية بشكل عام ومن كل أصنافها وأنواعها وبعد فشل الفلسفات التنويرية
والماديات الحديثة بإنقاذ العالم، بل زادت سرعة التدهور والانهيار، بدأ
الناس يدركون حجم الأخطار وما تؤول إليه حيث ترى اجتياح حمّى الدين
والتدين للعالم الصناعي، وارتفاع الأصوات للنداء بضرورة عودة فكرة
الإله بعدما صار الأمل الوحيد لإنقاذ أوروبا بل والعالم، وتأجيل نهايته.
وعليه بات التربية بشكل عام ضرورية في حياة
الإنسان، وخصوصاً التربية الدينية لضمان سعادة الأطفال وحسن تربيتهم،
وإليك قول ريموند بيج كما نقلها الشيخ الفلسفي في كتابه الطفل بين
الوراثة والتربية: (لا شك في أن المهمة الأخلاقية والدينية تقع على
عاتق الأسرة قبل سائر المسائل، ذلك أن التربية الفاقدة للأخلاق لا
تعطينا سوى مجرمين حاذقين، ومن جهة أخرى فإن قلب الإنسان لا يمكن أن
يعتنق الأخلاق من دون وجود دافع ديني، ولو حاول شخص أن يتفهم الأصول
الخلقية بمعزل عن الدين فكأنه يقصد تكوين موجود حي لكنه لا يتنفس.
إن أول صورة يرسمها الطفل في ذهنه عن الله تنبع
من علاقاته مع والديه، وكذلك أول فكرة ترتسم في مخيلته عن الطاعة
والسماح والاستقامة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسلوك الأسرة...
كل هذه المسائل يجب أن تتم في الأعوام الأولى من
حياة الطفل لأن ذهن الطفل في هذه الأعوام فقد يبدي استعداداً لضبط ما
يدركه أكثر من أي وقت آخر.
ومثل هذه الدعاوي كثيرة من العلماء الغربيين
طبعاً التدين والأخلاق السوي مساير وموافق لطبيعة الإنسان وسب لراحته
وسعادته وجالب للطمأنينة لروحه والإرادة لذاته، بل مكمل لكل مقوماته
شخصية الإنسان الرصينة المتزنة والقوية والشامخة في المجتمع، وما
نستفيده من الآية الكريمة على مالها من محامل عدة لكن الذي يهمنا في
مسألتنا ولو عن بعد هو أن القدوة ضرورة من ضرورات التربية والتنشئة،
لأن الطفل بل حتى الكبير فيه قابلية تقمص الشخصيات التي يحبها ويهواها،
فإذا ما رغب إليه العظماء مال إليها وتقمص شخصياتها وقلّدها حتى في
أبسط الأمور كنوعية المشي والتصرف والأكل والحركات، والمؤثر الأقوى في
التربية هو الفعل لا القول كما تشير الآية فليبدأ الإنسان بالتربية
بفعله لا بقوله، ولينقل تجاربه وحكمه وما استفاده من خبرات الحياة إلى
أبنائه لكن بسلوكه وتصرفاته لا فقط بكلامه.
والنبي الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار خير أسواق
وقدوات لنا، حيث ضرب الرسول (ص) في مجال التربية أروع الأمثلة وأرقاها
فأي احترام كان يكنه لسبطيه الحسن والحسين (ع) قولاً وفعلاً، فتراه
يقوم لهما ويستقبلهما ويقبلهما ويرفعها على كتفيه بل ربما أطال السجود
حتى ينزلا عن كتفيه دون تعجيل أو إحراج وكذلك مع أطفال المسلمين حيث
يحضنهم ويقبلهم ويمسح على رؤوسهم للتبرك وفي كثير من الأحيان يبللون
ثياب النبي وهو صابر ولا يتحرج ويأمرهم بعدم تعنيف الصبي، بل ربما
تصابى مع الأطفال ولعب معهم.
وتراه يسلم عليهم ويحترمهم ويسمع إلى كلامهم
فيربيهم عظماء ذوات شخصية قوية وواثقة ومستقرة وينمي فيهم بذور الخير
والصفات الحسنة ويرعى الكفاءات فيهم ويمنحهم الثقة الكاملة ويقودهم إلى
النجاح.
وننقل لك تقريراً عن دراسة جديدة، فكّر فيها
وأنظر إلى أي مدى يؤثر السلوك الفعلي في الطفل، ففي الدراسة حذر
الخبراء الأمريكيون أن الأطفال الذين لا يستطيع آباؤهم التأقلم مع
الأحداث الموترة، وتحمّل الضغوط النفسية والتعامل معها بصورة جيدة
يتعرضون لخطر أعلى للإصابة بأمراض القلب في حياتهم اللاحقة. ويعتقد
علماء النفس في جامعة ويست فيرجينيا أن الآباء الذين يتجنبون الصراعات
والمشاجرات، أو الذين لا يعبّرون عن مشاعرهم بصورة كافية، غالبا ما
يكونون مثلا سيئا لأبنائهم. وقال هؤلاء كما جاء في موقع «ميدل ايست» إن
لهذه الاكتشافات مضامين صحية قد تكون خطيرة خاصة عند وجود تاريخ عائلي
لارتفاع ضغط الدم الشرياني إذ قد تلعب أنماط سلوكية معينة دورا مهما في
تعريض الأطفال، الذين يكون آباؤهم مصابين بارتفاع ضغط الدم لأمراض
القلب أو ارتفاع الضغط أيضا.
ووجد الباحثون أن أبناء الأشخاص المصابين
بارتفاع الضغط، الذين لا يتكيفون جيدا مع الأحداث الموترة يتفاعلون
بصورة أكثر سلبية مع هذه المواقف. ولاحظ الخبراء، بعد اختبار
الاستجابات السلوكية، ومعدل نبضات القلب، وضغط الدم، عند 64 طالبا في
الكليات الصحية، خلال عدد من النشاطات النفسية الموترة أن آباء نصفهم
ممن كان لديهم تاريخ إصابة بارتفاع ضغط الدم سجلوا معدلات أعلى في
نبضات القلب وضغط الدم، خلال المهمات العقلية كما كانت سلوكياتهم
اللفظية وغير اللفظية أكثر سلبية.
وقال الباحثون في الدراسة التي نشرتها مجلة «الصحة
النفسية» إن تعليم الآباء كيفية التعامل مع الموترات وأساليب الاسترخاء
واليقظة والمهارات الاجتماعية يساعد في تدريبهم على التفاعل مع المواقف
بحكمة وروية وبالتالي تقليل مخاطر إصابة أبنائهم بأمراض القلب، في
حياتهم اللاحقة. |