مزاعم قوى الاحتلال المتحالفة الأنكلو – أمريكية
هي اليوم أمام امتحان يسير وبحاجة إلى إثبات سريع فيما يخص الوفاء
بالوعود الإيجابية التي سبق وأطلقتها كل من الإدارتين الحاكمتين في
لندن وواشنطن سواء قبل أو بعد احتلال العراق الذي انتهت معاركه
العسكرية التقليدية في 9 نيسان من السنة الفائتة 2003م دون خسائر كبرى
لدى الطرف الغربي المحتل الذي لم يجد أمامه أي مقاومة عسكرية مقاومة
جادة تذكر.
بسبب كون هوية حكومة صدام المبادة تدور حولها
الشبهات السياسية فإن ما أحدثته قوى الاحتلال البريطانية – الأمريكية
المتحالفة وما تقوم به حتى الآن منذ أن وطأت أقدام عساكرهما أرض العراق
في شهر آذار من السنة الماضية 2003م وما صاحب ذلك من السقوط السريع
للقوة العسكرية بذاك المشهد العسكري المخزي الذي بان فيه أن طائرة
عراقية واحدة لم تقلع من الأرض بأي مطار حربي من العراق لتقاتل القوات
الغازية مما ثبت لدى الرأي العام العراقي أن أمراً مجهولاً قد أخفي في
تلك الحرب وبغض النظر عن التصريحات الإعلامية المتضاربة بيد أن
الانطباع داخل الشارع العراقي كان ومازال أن حالة التشديد بالعمليات
الحربية التي اندلعت لم يكن لها أي مبرر أمام الاستسلام العسكري
العراقي الملموس الذي لم يقله بعد التفسير العسكري الميداني لتلك
المعارك التي بدت وكأنها من طرف واحد هو طرف الاحتلال بيد أن الانطباع
اليوم وبعد مرور زهاء (9) شهور على ما حدث بالعراق يمكن القول أن القصف
العسكري للبنى التحتية العراقية وما لحق البلاد من عمليات تخريب شامل
جراء ذاك القصف الكبير لم يكن له أي مبرر بتلك الدرجة التي تمت ما دام
المستهدف لتلك القوى كان رأس النظام وأعضاء فريق السياسي الإرهابي
الذين أخذوا يتشاطرون في الشروع السريع بـ(سباق الهزيمة كالغزال!)
للوصول إلى مخابئهم التي حددوها قبل بدء المعارك العسكرية، أما عمن كان
يفكر بأن هناك مقاومة كبرى سيقوم بها هؤلاء ضد الغربيين القادمين فلم
يكن ذو رجاحة في توقعه إن لم يقال كونه لا يعرف الدور الخياني والجبان
لأركان النظام البائد الذين طالما أبدوا إجادة التمثيل بادعاء السوية
السياسية.
والرأي العام العراقي مطلع تماماً أن ازدواجية
مواقف النظام الصدامي بكثير من نشاطاته الممارسة والسابقة كانت ظاهرة
دالة في فضائحها للعيان وهذا ما أدخل البلاد العراقية منذ انقلاب 1968م
بحالة من الإرباك والفوضى بعد أن عرض ذاك النظام المصالح الوطنية
العراقية لمزيد من الخسائر والتراجعات فباع السيادة والاستقلال
العراقيان وبصورة غير معلنة بأي اتفاق مكتوب لكن لم يشك بها أي عراقي
لبيب أو أي عراقية حصيفة. وكان المجتمع العراقي يتساءل دوماً ماذا أبقى
صدام وحكمه الإرهابي من العراق؟!
واليوم حين تدعو (لندن) و(واشنطن) أنهما قد حررا
العراق من الحكم الصدامي الإرهابي فأي بديل للعراق يريدان؟ فإذا كانت
إدارتا لندن وواشنطن تعتقدان أن الاستمرار في الرهان على القوة
العسكرية لقواتهما المتواجدة والمنتشرة حالياً داخل العراق كفيل بإنهاء
الأوضاع السلبية القائمة الآن بالعراق ودون اتخاذ خطوات مكسبية لصالح
تحسين أوضاع المواطنين معاشياً وحياتياً فأن رهان سيمنى بـ(الخسران)
أما عن التصريحات الرسمية لكبار المسؤولين البريطانيين والأمريكيين حول
ازدهار العراق وقرب خلق عراق حر وديمقراطي فهي تصريحات تقرب من الآمال
أكثر من الأفعال ولا يمكن للعراقيين أن يعوّلوا عليها تماماً قبل أن
يلمسوا ما يثبت ذلك فقد أفاد (ديريك بلامي) سفير بريطانيا في القاهرة
بتصريح صحفي مؤخراً: (إن الأوضاع في العراق مرشحة للتحسن) أما (توني
بلير) رئيس الوزراء البريطاني فقد صرح أثناء زيارته القصيرة إلى مدينة
البصرة العراقية مؤخراً: (أن العراق حالة للدراسة) وأكد للجنود
البريطانيين (أنكم رواد الجيش في القرن الحادي والعشرين) وهذا يعني..
توضيحاً لمواقف غربية تقضي التنويه للاعتقاد بوجود برهان ما على القوة
العسكرية الغربية والحليفة المتواجدة الآن على أرض العراق.
إن خطط الإطاحة بنظام صدام الذي كان يجري بين
قوى الإدارتين البريطانية والأمريكية مع وفود محددة من جهات المعارضة
العراقية قبل سقوط النظام فيها من الإشارات الصريحة ما يمكن التذكير به
فقد مرت مدى تسعة أشهر على هزيمة حكم صدام الآن وكان بالإمكان تقديم
الكثير فيها للشعب العراقي كـ(مكاسب) وعلى وجه السرعة لكن عملية التكلؤ
ما زالت هي السارية وهذا ما خلق رأياً بأن أمر ما مازال مخفياً حول مدى
غاية التواجد العسكري الأنكلو – أمريكي بالعراق.
فالعراق اليوم كما يراه أهله لا كما يقول عنه
بعض الغربيون أو العرب الذين وصلت درجة تصريحاتهم إلى استفزاز النفوس
العراقية الأبيّة فما معنى أن يؤجل إعطاء دور للشعب العراقي من أجل
القضاء المُلح و(المطلوب إنجازه سريعاً) لمحاربة الإرهابيين الدخلاء
على الساحة العراقية ويذهب ضحية إرهابهم المواطنون الأبرياء بشكل يكاد
يكون يومياً. إن حالة القلق التي يعيشها العراقيون منذ زوال النظام
الصدامي المقبور هي حالة قلق مركب جعلت المواطنين يعيشون بين نارين نار
عدم استطاعة قوى الاحتلال الآنفة للقضاء على أولئك الإرهابيين جذرياً
ونار جعل العراقيين متفرجين على ما يحدث لهم من مآسي واستمرار فرض
سياسة (ضيق اليد) حيث يواجه العراقيون معاناة معاشية متدنية وشديدة
بهذا الصدد وهذا ما يجعل كل منهم يساوره الشك أن الغرور والرهان على
السلطة العسكرية لقوى الاحتلال البريطانية الأمريكية المتحالفة ما هو
إلا هدف سلبي ربما ستكون له أبعاد سياسية وعسكرية أخرى لم يحن بعد
الوقت للتصريح الغربي بها ولعل الأهم حاضراً أن تتدارك قوى الاحتلال
الآنفة لأوضاع نهجها بالعاق والاتجاه لكل ما هو يمكن منه أن يقيم
علاقات طبيعية بين العراق ودول العالم بما في ذلك القوى التي أزالت حكم
صدام الإرهابي من الحكم وعلى أساس من المنافع الحقيقية المتبادلة التي
تقرها مواثيق الأمم المتحدة ويرضى بها المجتمع العراقي برمته. |