موضوع الانتخابات في العراق ما يزال يشكل أملاً
لدى العراقيين فبإجراء الانتخابات سيكون الوضع العراقي السائد قد تخطى
مرحلة طال انتظارها منذ سقوط العراق في نيسان 2003م الماضي إلا أن
محاذير فينة هي التي قد طفحت على السطح السياسي العراقي وجعلت من مطلب
إجراء الانتخابات لتشكيل الوزارة العراقية المحلية وبعض المؤسسات
الديمقراطية كـ(البرلمان) وغيرها مجالاً قابلاً للجدل.
وآخر الأخبار المتداولة إعلامياً بحسب نشرة
أخبار راديو B.B.C صبحاً ليوم السبت 17 كانون الثاني 2004 الجاري أن
الإدارة الأمريكية تدرس حالياً مقترحاً إثْرَ اجتماع الرئيس الأمريكي (جورج
بوش) مع الحاكم المدني الأمريكي بالعراق (بول برايمر) في البيت الأبيض
بواشنطن أن يكون التشكيل الوزاري العراقي الجديد الذي سبق وتم التنويه
عنه من قبل قيادة الاحتلال المتحالفة تحت الرايتين البريطانية
والأمريكية بأنه سيبدأ في أواخر حزيران 2004م كي يكون عن (طريق التعين
أول الأمر) وعلى أن يجري انتخاب للوزارة الجديدة خلال فترة أقصاها
اليوم الأخير من هذه السنة أي 31/12/2004م ومع توازي إجراءات أخرى تتخذ
من أجل نقل جاد لسيادة واستقلال البلاد إلى العراقيين جاء في خبر
الراديو الآنف أن (برايمر) سيجتمع بوقت لاحق مع (كوفي عنان) الأمين
العام لهيئة الأمم المتحدة في مقرها بنيويورك للحوار حول ما يناسب
الوضع العراقي بهذا الشأن.
ومن المعلوم أن لعدد من الشخوص السياسيين وجهات
حزبية عراقية غير مؤتلفة في مجلس الحكم الانتقالي في العراق تجتهد في
مطالبتها من ضرورة عدم تأجيل إجراء انتخابات عامة في العراق من أجل سد
الطريق على أية طموحات سياسية خفية معادية – في المحصلة – لمصالح الشعب
العراقي.
والحوار حول إجراء الانتخابات سريعاً وعدم
إجراؤها إلا بالوقت المحدد لها الذي هو نهاية شهر حزيران 2004م قد زاد
فيه من الكلام ما يفوق الحد المعقول وفنية الأمر تشير أن استمرار تردي
الوضع الأمني سوف يجعل من إجراء الانتخابات مسألة سيرثى لنتائجها ويمكن
الإضافة بهذا الصدد أن حالة شبه العجز حالياً لوقف عمليات الإرهاب عند
حدودها التي يقوم بها أعداء الشعب العراقي من عناصر النظام البائد
ومرتزقة محسوبون على خط العروبة التي تتبرأ من جرائمهم ضد أطفال ونساء
وشيوخ العراق.
إن وضع النقاط على الحروف في موضوع إجراء أو عدم
إجراء الانتخابات بالعراق قبل حلول شهر حزيران القادم كما مرَّ آنفاً
هي مسألة بقدر ما تبدو مشروعة باعتبارها حالة إسراع لمطلب عراقي وطني
وديمقراطي إلا أن سؤالاً ممكن طرحه بهذا المجال ولكنه سؤالاً قد يتفرع
لأكثر من صيغة: من قبيل: (من هم الذين سيرشحون أنفسهم وهل سيكون منهم
من قيادة أو أعضاء مجلس الحكم الانتقالي. أو من بعض التنظيمات السياسية
التي كانت تطمح لتكون ضمن تشكيلة مجلس الحكم المذكور لكنها قوبلت بالصد
والثبور لسبب وآخر؟ أم أن هناك من يريد انتخابه وتاريخه السياسي سواء
في الداخل العراقي أو خارجه في المنفى كان سلبياً؟ أم أن هناك سياسيون
آخرون ايجابيون لكنهم لم يجدوا فرصة حقيقية لخدمة شعبهم ووطنهم؟..
ولعل من المفيد التذكير أن من جامل ظلم السلطة
الصدامية البائدة في الداخل ووقف ضد العراقيين في المنافي هي مسائل لم
تطرح على مستوى الرأي العام العراقي حول ما سببه من أمثال أولئك من
آلام وأضرار لأهل العراق حين كان في أوج أزمتهم مع النظام الفاشي
السابق وبهذا الصدد يمكن القول أن التفلسف حول موضوع التبكير بإجراء
الانتخابات إذا ما حدثت فسوف تحتاج أصلاً إلى ممهدات مناسبة فتركيبة
السكان حالياً في البلاد فيها من غير العراقيين ما تصل أرقامهم إلى
حدود غير معقولة ويخشى أن يستغل هؤلاء الفرصة ليشاركوا في الإدلاء
بأصواتهم لصالح أشخاص مشبوهين ويدفعوا بشخوصهم المعادية إلى وجاهة
السلطة الجديدة في العراق بعد أن يحصلوا على ضمان أصواتهم في عمليات
الاقتراع التي ستكون حتماً انتخابات ناقصة قبل انبثاق حكومة عراقية
وطنية تكفل تنظيم وإنجاز عملية الانتخابات المطلوب أن تكون نزيهة على
أي حال.
إن البرهان الأخطر في عراق اليوم هو التعجيل
لاستحصال مكاسب شخصية عبر ظاهرة عامة ترفع شعارات براقة ومن وجهة نظر
محايدة يمكن القول بثقة أن أجواء عدم شيوع الأمان هي مسألة غير صالحة
أصلاً لأي انتخاب لذلك فإذا كان هناك إصرار لإجراء تلك الانتخابات أن
يسبقها تشكيل الحكومة المحلية المؤملة ولتسمى مثلاً (الحكومة المؤقتة)
التي يمكن أن تشرف على الانتخابات الآنفة قبل حلول شهر حزيران القادم
أي بأسرع وقت ممكن أن يكون خلال الأشهر الستة اعتباراً من هذا الشهر
كانون الثاني 2004 الذي شرعت أيامه تجري بالتوالي، ومع أن مثل الطرح
يبدو هو الآخر لا يمثل حلاً وسطاً ناجحاً تماماً لأن القرار الأخير
بهذا الشأن لم يعد بيد العراقيين حالياً. ولكن من باب (سد الفراغ)
السياسي الحادث في العراق بهذا الشأن يمكن التوجه بمخاطبة قوى الاحتلال
الأنكلو أمريكي المتحالفة للتعجيل بتأسيس (تشكيلة الوزارة العراقية
الوطنية) التي تدرس إدارة الاحتلال المشتركة تعيين شخوص وزراؤها مادام
الشعور الحذر من الانتظار حتى شهر حزيران القادم قد طال نفوس العديد من
السياسيين العراقيين أو المحسوبين على المجال السياسي بالعراق ومع
ضرورة عدم استبعاد دور هيئة الأمم المتحدة عن أي تغيير جوهري يحدث في
البلاد وذلك لإضافة شيء من الشرعية على أي وضع عراقي جديد يجعل العراق
يسترد عافيته التي فقدها طيلة حقبة حكم كتلة البكر - صدام وفريقهما
السياسي المعادي للعراق. |