أن القضية السياسية الآنية الكبرى التي يواجهها
مواطنو العراق هي.. قضية محاكمة صدام ببغداد وليس لدى أي دولة غربية
مهما كانت صور التبرير لذلك.
ربما توقّف كل المستقبل العراقي لشعب وأرض
الرافدين على ما سيؤول إليه مكان (محاكمة صدام) هل يختار العراق مقراً
تعقد فيه تلك المحكمة المرتقبة جلساتها العلنية كما تم الإعلان عن ذلك
مراراً حتى على لسان كبار الساسة البريطانيين والأمريكان أنفسهم سابقاً
الذي أكالوا تلك المهمة المهمة للشعب العراقي بمناسبات عديدة.
لكن صدام الذي تقرر أن يعامل كـ(رئيس دولة)
مؤخراً وتم الادعاء أن ناطق رسمي تابع لقوى الاحتلال والتحالف الأنكلو
– أمريكي بان صدام سيتمتع بامتيازات الراتب الذي يليق به حسبما ارتأت
بذلك الدولتان اللتان تقودان التحالف (بريطانيا وأمريكا) على خلفية
هاجس حجب الفرصة أمام التحسب من احتمال توسع التهم التي سيواجهها صدام
وعدم استطاعته تكذيبها إذا ما تقرر أن يواجه صدام كل التهم من قبل كل
المتضررين الذين كانوا ضحايا السياسات الطائشة التي اتبعها مع فريق
عصابته السياسية، إلا أن اللحظة اللامحسوبة هي ما يمكن قبل أيام قليلة
خلت من كون الجانب القانوني والقضائي العراقي هو أجدر لمقاضاة جرائم
صدام ومعاونوه ضد الشعب العراقي إذ تتراكم التهم الآن التي تتعلق بتلك
الجرائم الموثقة أفضل التوثيق الممكن أن يدان بها صدام وأركان حكمه
السابق. فقد قام الجانب العراقي القضائي منذ القاء القبض على صدام
بتقصي شديد للحقائق الممكن إثارتها كـ(أعمال إدانة) ضد رئيس النظام
السابق وعملية التقصي ما تزال مستمرة.
إن الازدواجية الحاصلة لدى الجانب الأنكلو -
أمريكي فيما طرحاه سابقاً من كون صدام سيخضع لشكيمة محكمة عراقية داخل
العراق ثم الانقلاب على هذا التصريح رأساً على عقب المصحوب بالتعامل مع
شخص صدام واعتبار أن له حقوق دولية تقرها لصالحه معاهدات جنيف ولائحة
حقوق الإنسان فيها من إشكالية التحجج ما يتعلق ليس بهوية صدام المشبوه
الذي طالما تردد انه (عميل بريطاني) وقيل أيضاً (عميل أمريكي) بحسب
تصريحات عربية مسؤولة كانوا وما زالوا في الصف الثاني من قيادات أكثر
من دولة عربية.
لكن الرأي العام غير العراقي الذي يبدو حائراً
في تصديق أو تكذيب خبر تلك الشبهة حول عمالة صدام للغرب قد قاد لطرح
سؤال يقول أين أخذ الغرب صدام بعد اعتقاله وهل هو حقاً مازال داخل
العراق؟ أم خارجه أما صدام الذي قطعت أخباره تماماً منذ اعتقاله فسوف
لن يستطيع الدفاع عن نفسه بعد أن تمت تهيئة ترتيب أغلب التهم ضده
وسهولة إثباتها عليه أمام المحلفين العراقيين مع أن هؤلاء المحلفين
مطلوب منهم أن لا يضيفو إضافة تهمة تجنيد صدام حتى لمجاميع الأطفال..
وإلحاقهم بما سمي آنذاك بـ(فدائيي صدام) الذين أرغمهم النظام السابق
للعمل كـ(سياسيين) وبرواتب شهرية دورية مغرية أي كمرتزقة. وربما كان
هناك سبق لصدام في تسقيط أولئك الصغار ضميرياً بالنسبة للكيانات الدولة
المشبوهة بعد إضافتهم إلى أفراد العصابة الكبار السن الذين مثلوا فريق
الحكم السياسي الجائر في العراق.
لقد تحدى صدام شعبه في كل ما قام به حتى في
الأمور التي بدا فيه ليس كذلك كإصدار قرار تأميم النفط فلا ينكر أحد من
أن عائدات النفط قد وضعت لصالح قوة الدولة وشيوع إرهابها. واليوم فإن
ما يتعلق بالأمر الخاص أو الأمر العام لدولة صدام السابقة ليس فيهما
شيء يمكن تسجيله لصالح صدام إذ كان غاشاً في كل تعاملاته وسلوكياته بما
في ذلك تحالفاته السياسية الداخلية وهو اليوم مفضوح أمام نبض الشارع
العراقي الذي لم يجمع على قضية سياسية ما مثلما يجمع اليوم على ضرورة
أن يحاكم صدام داخل العراق وعلى أيدي قضاة عراقيون ذلك لأن مصير بلدهم
يتوقف على طبيعة الحكم ونوعه الذي سيتخذ ضد صدام وأن السياسيين
العراقيين الواعين يقدرون تماماً أن إجراء تلك المحاكمة لـ(صدام) خارج
العراق معناها تفليته بإصدار حكم مخفف عليه لا يتناسب مع حجم جرائمه من
العقاب القانوني الحقيقي الذي يستحقه. فإذا كانت السياسة الغربية
الانكلو – أمريكية لم تعد تستوعب ما يمكن أن يؤدي إليه قرار محاكمة
صدام خارج العراق بعد أن احتسبه كـ(أسير حرب) وهي الحجة المرتبة
لإنقاذه في (الاحتمال الذهني السياسي العام)
إلا أن ما يفوت الغرب إن انطباعاً واسعاً سيعمم
أوتوماتيكياً لدى الرأي العام العراقي والعربي والدولي من أن خطة الحرب
ضد العراق التي انتهت بسقوط بغداد في 9 نيسان 2003 الماضي لم تكن أكثر
من لعبة سياسية غربية جرى التنسيق عليها مسبقاً مع صدام ذاته ومثل هذا
الرأي يمكن أن تعززه التجربة الحربية ذاتها إذ لم يواجه صدام القوى
الغربية المحتلة بأي معركة عسكرية حقيقية. ومثل هذا الانطباع إذا ما
ساد فإن الغرب سيخسر كثيراً من مواقعه السياسية داخل المنطقة العربية
حيث سيبان أيضاً حتى للشعب في الكويت أن الحرب التي شنها نظام صدام
الإرهابي ضدهم بأوائل التسعينيات كانت بتدبير من نفس قوى الاحتلال
الانكلو – أمريكية ناهيكم إن بعض الأعراب اللامطلعين على حقائق الأمور
سيغيرون أفكارهم الآنية اللاصحيحة عن صدام فبعد أن يكونوا قد اعتبروه
يوماً (مناضلاً) على سبيل الخطأ فسيعتبروه (عميلاً) لقوتا التحالف أو
أحدهما!
وبمعنى آخر فإن ساسة قوى الاحتلال الذي يقودون
إدارتا بلديهما في لندن وواشنطن إذا ما اتفقا على تفليت معاقبة صدام
وإعفائه من كل جرائمه داخل وخارج العراق بطريقة التستر عليه وفقاً لما
يمكن أن تسمى بـ(محكمة دولية) فإن الخاسر الأكبر سوف لن يكون الشعب
العراقي بل الغرب كله وذلك بسبب كون فروض القوة والهيمنة المتوفرة الآن
لدى الجانب الغربي ليست أبدية إذ لا أحد يعرف ما يخبئه الغد السياسي من
مفاجأة وان قرار تفليت الغرب لصدام سيجعل الغرب من مواقع معنوية لا
يحسد عليها. |