تحت عنوان (العالم في مدينة واحدة – The world
in one city)، كتب صحيفة (he Londoner) الصادرة عن مكتب عمدة لندن في
عددها الشهري مطلع السنة الجديدة 2004م، كتبت وبكل افتخار عن التركيبة
المتنوعة الاعراق والاديان والجنسيات التي تكتنف العاصمة البريطانية
لندن التي تضم (7.172.091) مليون نسمة كما جاء في اخر احصاء للسكان في
بريطانيا جرى عام 2001م.
الاحصاء العام الذي نشرته الصحيفة حديثا اظهر ان
العاصمة لندن تتفوق على الكثير من المدن البريطانية من حيث التنوع
العرقي والاثني والديني, ففي حين تشكل نسبة الاقليات العرقية غير
الانجيلزية 34 في المائة في مدينة برمنجهام، وتقريبا 35 في المائة في
مدينة لوتون، واكثر من 39 في المائة في مدينة ليستر، فان عدد الانجليز
البيض في لندن وحدها يشكلون 4.287.861 مليون نسمة، أي نحو 59.8 في
المائة، والبقية هم من الاقليات العرقية الاخرى القادمين من قارات
الكرة الارضية الخمس.
وما يخص العرب والمسلمون فان الديانة الاسلامية
جاءت في المرتبة الثانية بعد المسيحية حيث يعيش في لندن وحدها 607.083
الف مسلم من مجموع سكان لندن أي بنحو 8.5 في المائة ، فيما جاءت
الديانة اليهودية في المرتبة الرابعة، حيث يعيش في لندن وحدها 149.789
الف يهودي، أي بنسبة 2.1 في المائة من عدد السكان فيما حلت الديانة
الهندوسية في المرتبة الثالثة بنسبة 4.1 في المائة.
من المفارقات التي أظهرتها الاحصائية من الوجهة
الدينية هو أعداد الذين قالوا انهم لا يدينون بدين محدد، اذ شكلت
أعدادهم نسبة كبيرة من سكان العاصمة، فالعاصمة لندن حسب احصائية عام
2001م تضم منهم 1.130.616 مليون نسمه، أي نسبة 15.8 في المائة، وهي
نسبة كبيرة اذا ما قيست الى نسب الاديان السماوية والارضية الاخرى غير
المسيحية، بل وحتى نسبة الى المسيحية بلحاظ ما عرف عن الشعب البريطاني
تدينه ومحافظته، واكبر عدد من اللادينيين يعيشون في وسط لندن حيث
يشكلون نسبة 24.6 في المائة، وكلما ابتعدنا عن مركز العاصمة قلت
أعدادهم ونسبهم بقليل.
ومع ان الاحصائية كانت دقيقة بالنسبة الى نفوس
سكان لندن، لكن التقرير لم يفصل القول في عدد نفوس المسيحيين او
المسلمين او اليهود في عموم بريطانيا مما ابقى الابهام قائما في عدد
نفوس المسلمين في عموم بريطانيا على وجه الخصوص، فلا زالت الارقام
تتراوح بين مليون وثلاثة ملايين مسلم، ولكن ارقام لندن حسب الاحصائية
الحكومية الرسمية الأخيرة، تظهر زيادة في عدد المسلمين وبشكل كبير
وملحوظ، مما يقلل من رقم المليون من مسلم في كل المملكة المتحدة، فعلى
سبيل المثال نشرت صحيفة الاوبزرفر البريطانية تقريرا بعد احداث 11
سبتمبر عام 2001م قالت فيه: (يقدر عدد المسلمين بمليوني شخص، اي حوالي
4%، ويقيم معظم المسلمين في لندن وبرمنغهام وليستر واولهام. وعدد
المساجد في بريطانيا يصل الى 800 مسجد وعدد المنظمات الاسلامية حوالي
1000) (راجع في هذا موقع البي بي سي العربي على شبكة الانترنيت ليوم
7/12/2003م).
اما مؤسسة "رانيميد" فانها تذهب الى القول بان
عدد مسلمي بريطانيا بلغ في أواخر القرن العشرين المليون ونصف المليون
نسمة. لكن صحيفة الرياض السعودية التي نشرت الرقم عقبت في عددها الصادر
في 6/11/2003م بالقول: (والواقع ان التقديرات لعدد المسلمين في
بريطانيا تبدو متباينة لعدم وجود احصاء رسمي دقيق يكشف عن ذلك. وتدل
المؤشرات على وجود نحو ثلاثة ملايين مسلم في الجزر البريطانية).
ويذهب موقع (اسلام اون لاين) الى القول بان عدد
المسلمين في بريطانيا هم مليون وسبعمائة الف مسلم تقريبا, 400 الف منهم
من العرب و 27 في المائة من الرقم الاخير هم من العراقيين. لكن الموقع
نفسه ينقل في 26/1/2003 للكاتب مصطفى عاشور عن دراسة مسحية اعدها (الكونجرس
اليهودي العالمي) بعنوان (صعود الاسلام في اوروبا) القول: وان الاسلام
يتمتع بمعدلات النمو الاعلى في اوروبا، فهناك حوالي 20 مليون مسلم في
الاتحاد الاوروبي يعتبرون انفسهم مسلمين، فالمسلمون في اوروبا يمثلون
قوة يجب اخذها في الحسبان، واذا تواصل هذا الاتجاه سيشكل المسلمون في
عام 2020 حوالي 10% من مجموع سكان اوروبا.ودلل التقرير على توقعه بان
عدد المسلمين في بريطانيا – مثلا – عام 1963 كان لا يزيد عن 82 الف
مسلم، وارتفع في ثلاثين عاما الى اكثر من المليونين.
ان قراءة أولية لهذه النسب، تعكس الواقع الثقافي
والاجتماعي والديني في بريطانيا، وعلى الخصوص العاصمة لندن التي تفتخر
انها عاصمة الثقافات المختلفة عبر الارض، وهي العاصمة التي تضم بين
جنبيها اكثر من مائة اقلية عرقية ويتكلم أهلها مئات اللغات الحية
والفرعية، وبنفس الوقت تظهر النسب، التسامح الديني الذي يحاول عمدة
لندن كين ليفينغستون ضمن سياسة الانفتاح على الاقليات ان يضفيها على
لندن لتكون محط انظار الملايين الذين يقدمون الى لندن كل عام للتبضع او
السياحة او الطبابة او الدراسة، وغير ذلك، من هنا فان استبيانا جرى عام
2002م عملت عليه اربع مؤسسات حكومية بالتعاون مع مكتب عمدة لندن اظهرت
نتائجه، ان (77) في المائة من سكان العاصمة يشعرون بارتياح كبير للتنوع
الثقافي لمدينتهم.
وهذا الواقع السكاني هو الذي حدا بشرطة لندن قبل
اعوام قليلة الى ادخال افرادها في دورات تثقيفية خاصة عن كيفية التعامل
مع الاقليات اثناء وقوع الحوادث، وتم توزيع كراسات خاصة بهذا الشأن،
فعلى سبيل المثال لا يصح لرجل الشرطي ان يمسك بلحية المسلم او بقلنصوة
اليهودي او بعمة السيخي لانها جزء من قدسية صاحبها والدين المتمسك به،
والا عرّض الشرطي نفسه للمساءلة القانونية، وهذا التسامح هو الذي ميز
لندن عن بقية العواصم الغربية.
ومن المفارقات الباعثة على التأمل، ان لندن لم
تمنع اقلية من فتح مدرسة بلغتها كالمدارس العربية المتوزعة في انحاء
لندن، فيما تمتنع حكومات اسلامية فتح مدارس لتعليم اللغة العربية
للأقليات والتجمعات العربية المهاجرة.
ومن مفارقات التسامح الديني، ان عددا غير قليل
من المدارس والاعداديات في لندن تهيأ لطلبتها المسلمين غرفة أو مساحة
خاصة للصلاة، وبالذات في شهر رمضان المبارك، فيما تعتقل بعض الحكومات
الاسلامية الطلبة على الصلاة!
ولكن لا ينبغي أن يأخذنا الاستغراق الى نسيان
حقيقة قائمة حتى يومنا هذا وهي حرمان المسلمين في بريطانيا من وضعهم في
مصاف واحد مع المسيحيين واليهود والسيخ الذين يسمح لهم بتأسيس مدارس
خاصة وعلى نفقة وزارة التعليم البريطانية، ولهذا فان المدارس الاسلامية
هي على نفقة أولياء الأمور، وما تحصل عليه بعض المدارس من منح حكومية
او من مؤسسات خيرية انما يسد جزء يسيرا جدا من الميزانية العامة، من
هنا فان قلة قليلة جدا من العوائل المسلمة تجد نفسها القدرة على ادخال
ابنائها في مدارس عربية واسلامية خاصة.
الرأي الآخر للدراسات/لندن
alrayalakhar@hotmail.com |