إذا ما تم تنفيذ محاكمة صدام التكريتي وتقرّر
نقل جلسات محاكمته القانونية بصورة علنية تبث عبر الإعلام المرئي
المسموع كما هو متوقع.. فمجرد ظهوره واقفاً بقفص الاتهام أمام هيئة
المحلفين سيملأ ذلك أشداق العراقيين ضحكاً عليه وعلى عقليته السياسية
الناقصة التي آلت إلى هذا المصير الملطخ بعار الجبن والخسة والخيانة
ومعاداة الشعب العراقي.
ولّى عهد صدام البائد بكل ما كان فيه من تجاوزات
وتعديات افتقدت إلى الحد الأدنى من درجة التبرير والآن فإن سعادة
المجتمع العراقي لا يضاهيها سعادة مجتمع آخر بعد إلقاء القبض على
القائد المفروض بالحيلة السياسية والذي لم يعد يسمى بـ(القائد الضرورة)
كما كان يسميه بعض مرتزقة النظام الفاشي الذي حرق الأخضر واليابس
والنفوس بالعراق وجعله بلداً جريحاً يتحسر فيه شعبه على (رغيف الخبز)
بوقت كانت منه عنجهية صدام وصلافة تعامله بـ(البوزات) قد وصلت ذروتها
بالتلاعب بأموال العراق ولم يفكر أبداً بأن هناك من يعمل لسحب بساط
نفوذ سلطته من تحت قدميه.
إن معظم السياسيين من شاكلة – صدام – أو من يحمل
الآن جزءً من تطلعاته المريضة في المجال السياسي ممن آزروه داخل أو
خارج العراق أن يفكروا بما هو الأفضل لهم بعد أن خذلهم من كانوا
يعتقدون أن صدام ليس مرتزق سياسة دولي فقد تاجر صدام بهم وبمصائرهم
بثمن بخس وهو الذي كان يعلم جيداً أن مرحلة التغيير بالعراق مسألة
واقعة لا مفر من ذلك. ولعل العجب العجاب أن اللامطلعين لظروف العراق
تماماً واللاعارفين بهوية النظام الصدامي البائد بكل خطوط شبهاته
السياسية الاصطفافية الخارجية قد تناسوا تلك الخصوصية السلبية المنتهجة
من قبل ذاك النظام الذي جعل من ورقة التلاعب بمقدرات الشعب العراقي أحد
ثوابته الأكثر قساوة في تحدي طموح العراقيين الذين عايشوا بصبر الحالة
الإرهابية التي كان النظام يقودها ضدهم بقوة النار والحديد.
واليوم إذ بدأت بوادر التلاحم بين أبناء الشعب
العراقي تفرض دورها في الساحة العراقية لمواجهة حاضر ومستقبل العراق
ومعالجة ما علق به من الماضي المأساوي الذي جلبه له نظام صدام وفريقه
السياسي الجاهل فهذا لا يعني البتة أن القضية العراقية بمرحلتها
المعاصرة معرضة إلى الإقفال، وبالذات ما يخص محاكمة صدام وعناصر حكومته
المتهمين بجرائم ضد شعبهم العراقي وبهذا الصدد صرح وزير خارجية العراق
هوشيار زيباري قبل مدة بـ: (أن العراق سوف يطالب دول الخليج بتسليم
العناصر الحكومية أو الحزبية الذين شاركوا في جرائم الحرب والتي ظهرت
عليهم أدلة للحكم في أمرهم) وبذا فهذا سيعني أن أحداً من غالبية عناصر
النظام السابق الذين اقترفوا جرائم ضد الإنسانية في العراق (بالذات)
سوف يقدمون إلى محاكم عادلة أو يبقوا ملاحقين حتى يأخذوا جزاؤهم العادل
إذ بذاك فقط سوف تكتمل فرحة الشعب العراقي الكبرى.
إن الشعب العراقي بكل تركيبة ناسه الذي ذاقوا
الأمرين على أيدي حكومة انقلاب 1968م والذين لم يفرحوا طيلة عقود حكم
النظام السابق سوف يكونوا على بينة أكثر مما قام به صدام وفريقه
السياسي ضد الشعب والوطن وسيكون ذلك مناسبة لأن يفقد العديد من مؤيدي
صدام الإقليميين قوة اندفاعهم الجهول نحوه حيث سيصعب التخطي بالوقائع
الجرمية التي ستثبت ضده إلى نقطة التلاشي تحت حجة من قبيل أن صدام لا
يتحمل مسؤولية ما حدث بالعراق كأن توجه مثل هذه التهمة نحو عناصر من
رجاله الجلادين الصغار الذين كانوا يمتثلون لتنفيذ أوامر الجلاد الكبير
صدام.
ولعل قائمة التهم التي ستوّجه ضد صدام وطريقة
حكمه.. وما قام به من مظالم فاقت المعقول ستطول وتطول وربما استطاع أن
يتفوه بتكذيب بعضها لكن التوثيقات الرسمية المتوفرة لدى المتابعين
للشؤون الاستراتيجية التي كان النظام البائد يعتمدها ضد حقوق الشعب
وسيادة الوطن بالسر والعلن إذا ما أثيرت ضمن مواجهة موضوعية دون أي
تخوف من أي نفوذ أجنبي فسوق تنزل الطامة الكبرى على كل من يعتقد من
الحكام الجائرين في العالم أن بأمكانه خلاص نفسه من الحال المزري الذي
وصل إليه صدام إن محاكمة صدام ستكون محاكمة غير عادية، ومع أنه من
المتوقع بحسب مصادر عراقية مطلعة لدى مجلس الحكم الانتقالي في العراق
أنها ستجري في الصيف المقبل بُعيد نقل السلطة إلى العراقيين وقيام
حكومة عراقية إلا أن بعض التكهنات تقول أن صدام الآن تحت رقابة شديدة
في إحدى البلدان أي خارج العراق لكن الدكتور موفق الربيعي قد صرّح رداً
على هذا التكهن بصفته عضو مجلس الحكم العراقي بالقول: (إن الرئيس
المخلوع صدام مازال في العراق، وأنه سيواجه محاكمة علنية).
إن محاكمة صدام المقررة إذا ما بدأت فإن من
البديهي أن تكون حالة الهرج والمرج الإعلامي تأخذ مداها وستكون تفاصيل
تلك المحكمة حديث الرأي العام لدى كل وسط سياسي في العالم ولا يستبعد
أن تكون هناك (مفاجأة ما) تقع قبيل عقد جلسات المحكمة أو خلالها وربما
بعدها وطبيعي فإن ما لا يصح أن يحدث هو نقل محاكمة صدام إلى بلد غير
العراق لأن ذلك يعني سلفاً إن احتمال تفليته من العقاب القانوني العادل
الذي يستحقه هو أمر عملت وتعمل له جهات دولية معروفة تعاون صدام معها
سابقاً وأن كان مثيل هذا الاحتمال يبدو ضعيفاً نتيجة للضغط العالمي
المتوجه الآن والحاث لإجراء محاكمة هذا المجرم الدولي العتيد في البلد
المحسوب عليه (العراق). |