الوقف بغض النظر عن الأطروحات المؤسسية فيها
وإشكاليات التعامل فيها فإن الوقف كان هو المصدر الأساسي لقوة المجتمع
الإسلامي، فبدون فكرة الوقف وما نتج عنه من مؤسسات لم يكن متخيلاً أن
يكون المجتمع المسلم بهذه الدرجة من القوة.
فقد مثل الوقف مصدر الاستقلال المالي المتجدد
اللامتناهي لمجمل الفعاليات الحضارية والخدمات الاجتماعية والإنسانية
في المجتمع، ولعل تأسيس الوقف من الناحية المعرفية على فكرة (فروض
الكفاية) جعل من هذه المؤسسة مصدر الفعالية والتجدد والتنوع في المجتمع،
وجعل منها أيضاً التحقق الواقعي لمجمل مقاصد الدين الإسلامي، وذلك لأن
(فروض الكفاية) هي:
أمور تتعلق بها مصالح دينية ودنيوية، لا ينتظم
الأمر إلا بحصولها، فطلب الشارع تحصيلها دون أن يكلف أحداً بعينه خلاف
فرض العين، وإذا ما قام بها من فيه كفاية سقطت عن الباقين، ولكل فرض
إذا تعطل إثم على مَنْ قدر عليه إن علم به، وكذا إن لم يعلم إذا كان
قريباً منه يليق به البحث والمراقبة، ويختلف بكبر البلد، وقد ينتهي
خبره إلى سائر البلاد فيجب عليهم.
وعلى هذا كان الوقف هو الإجابة العملية للمجتمع
على جميع الإشكاليات والحاجات والمستجدات التي تطرأ على حياته وتواجه
تطوّره وحركته التاريخية، ومن هنا نشأت إشكالية الوقف التاريخية التي
جعلته قوة تعظم دور المجتمع ولو على حساب الدولة، وفي نفس الوقت جعلته
هدفاً تسعى الدولة لامتلاكه ووضع اليد عليه أو تقليصه والقضاء عليه كما
حصل في عهد المماليك والفاطميين والدولة العثمانية وكما هو الوضع الآن،
بخلاف الغرب حيث يتعامل مع الوقف كمؤسسة أسست أوقافاً كثيرة وموّلت
مشاريع أخرى وتغطي مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية
والخدمية ولها مجلس أمناء يجدد نفسه في انتخابات دورية.
وموضوع الوقف كان منسياً إلى الآن ولم يتطرق
إليها إلا في أبواب فقهية مقتضبة لكن بعد الأحداث المتسارعة في تغيير
خارطة العالم وتبني أمريكا صنع العالم الجديد الديمقراطي وتعرية مواطن
القوة في المجتمع الإسلامي للحد منها ومن ثم احتوائها كما حصل لشيخ
الأزهر الشيخ طنطاوي بتصريحه في إعطاء الحق للحكومة الفرنسية كبت حرية
المسلمين في منع الحجاب وحظرها بينما نفس المجتمع الفرنسي ورجال الدين
المسيحيين لم يرضوا بذلك. وعلى شاكلته قضية الوقف أيضاً يتم طرحها
وتنظيم الدورات والمؤتمرات لاستثمار ممتلكاتها وكيفية إدارتها على أنه
مفيد للمجتمع إذا لم تكن خطوة للاستيلاء عليها.
ففي عمان نظمت دورة إدارة واستثمار ممتلكات
الأوقاف بمشاركة متخصصين من الأردن والسعودية والكويت ومصر واليمن
وسورية.
وقال وزير الأوقاف الأردني إن هذه الدورة هدفت
إلى تعريف المشاركين بالمفاهيم والطرق الحديثة لإدارة واستثمار أموال
وممتلكات الأوقاف الإسلامية وتطبيقاتها المعاصرة فضلاً عن تبادل
الخبرات والإطلاع على أحدث الوسائل المتصلة بهذا الموضوع.
وهذه الخطوات في الأردن ولبنان وبقية الدول
خطوات إيجابية وإن كانت متأخرة لمعالجة قضايا الوقف التي لو استثمر لسدّ
أغلب حاجات المجتمع بشرط أن لا تكون خدعة للاستيلاء على أموال الوقف
وجعلها في خزائن الدولة دون أي فائدة للمجتمع. |