أكد تقرير لمنظمة الصحة العالمية أهمية استثمار
البلدان الغنية أموالها في مشروع صحي واسع النطاق في البلدان الفقيرة
فإلى جانب المكاسب المالية بالتالي تنقذ ملايين الأشخاص وأوضح التقرير
إذا أنفقت البلدان الغنية على مدى خمس وعشرين عاماً 27 مليار دولار
سنوياً على برنامج مساعدة طبية منهجي في البلدان الأكثر فقراً، فسيتيح
ذلك إنقاذ 8 ملايين شخص في العام.. وسيحقق الاقتصاد العالمي من خلاله
عائداً سنوياً يقدر 386 مليار دولار، وهذا مضمون تقرير الاقتصاد
العملاق والصحة... والذي نشرته منظمة الصحة العالمية وترجع فكرة هذه
الدراسة إلى المديرة العامة الحالية لمنظمة الصحة العالمية (غروهارلم
براند تلاند) والتي تشغل هذا المنصب منذ عام 1998 وكانت هذه المرأة
النروجية طبيبة بلدها لمدة عشر سنوات.. اتسعت شهرتها على المستوى
العالمي، عندما ترأست لجنة البيئة والتنمية المستدامة في هيئة الأمم
المتحدة والتي سرعان ما عرفت بلجنة براندتلاد، كما كانت صاحبة فكرة قمة
ربع عام 1992 وهو المؤتمر العالمي حول البيئة والتنمية في كوكبنا.
وعن مضمون التقرير يستند التقرير في مرجعيته إلى
أكثر المصطلحات إثارة للجدل (العولمة) ويرى كاتبو التقرير أن العولمة (التبادل
التجاري الحر الذي يشمل البلدان) تحمل في طياتها فوائد ضخمة كامنة إلا
أنها الآن موضع محاكمة لأسباب تعني في مجملها (أن تلك الفوائد المهمة
لن تشمل قط في مرحلة أولى مئات الملايين الفقراء في العالم وهنا يقول
التقرير في محاولة لارتداء ثوب الفضيلة، أن تحسين الصحة وإطالة حياة
الفقراء هما غاية بحد ذاتها وهدف أساسي للنمو الاقتصادي إلا أنه أيضاً
وسيلة لبلوغ أهداف تنموية أخرى، فالعلاقة بين الصحة وتناقص الفقر من
جهة والنمو الاقتصادي على الأمد البعيد من جهة أخرى علاقة قوية جداً
وأهم بكثير مما ندركه بشكل عام، يكفي أن نتذكر فشل إنشاء قناة بنما،
بسبب الملاريا، في نهايات القرن التاسع عشر حتى نفهم أن مثل هذه
النظرية الاقتصادية لم تأت من فراغ، ويذكر أن عدد من الباحثين قد أنجز
عدداً من الدراسات عن أثر الصحة في التنمية في جنوب الولايات المتحدة
مثلاً كان النمو الاقتصادي مشروطاً إلى حد كبير باستئصال الديدان
المعوية، التي كان تأثيرها على قوة العمل من الشدة بحيث سموها في حينها
(جراثيم الكسل) كما أدى استئصال الملاريا من جنوب أوربا، في
الأربعينيات والخمسينيات، إلى ازدهار السياحة وانطلاق الصناعة في كل من
اليونان وإيطاليا والبرتغال وأسبانيا، وعلى صعيد موارد كثرت التحليلات
الاقتصادية التي تحاول تقدير قيمة الحياة على أسس حسابية بحتة وكانت
النتيجة (أن الوفاة المبكرة لطفل أو لراشد في سن العمل تؤدي إلى خسارة
مالية، أي أن ما يمثله عدم القدرة على الكسب يفوق بكثير ما كان يمكن أن
يستخلصه الفرد لو أنه أستطاع أن يعيش حياة منتجة، هناك ما هو أكثر من
ذلك إذا توفي رب الأسرة، فإن تأثير ذلك يكون مدمراً، مادياً ومعنوياً
على الأسرة، وبقدر أقل على النسيج الاجتماعي ككل من المعروف فضلاً عن
ذلك، إن انخفاض معدل وفيات الأطفال تتمخض عنه سلوكيات جديدة إذ تتجه
الأسرة إلى الحد من الإنجاب وتستثمر مواردها في الإنفاق على الصحة
وتعليم كل ابن، مما يجعل من هؤلاء الأنباء عناصر عاملة على مستوى أفضل
من الكفاءة، ومن هذا المنظور، فإن كل سنة تضاف إلى عمر الإنسان تساوي
ما يعادل ثلاث سنوات من العائد الفردي ووفقاً لغالبية التقديرات (لنقل
في سن العشرين) يؤدي إلى خسارة أربعين سنة من الحياة المنتجة، أي ما
يعادل مائة وعشرين سنة من العائد الفردي، ولإدراج هذه العوامل المتعددة
في الحسابات، أوجد الاقتصاديون وحدة قياس غريبة هي DALY (دالي) وتعني
السنة الحياتية بالتناسب مع حالات العجز، وهكذا نرى أن تأثير الملاريا
في أفريقيا جنوب الصحراء للعام 1999، وحده أدى إلى خسارة 36 مليون دالي،
في منطقة تعداد سكانها 616 مليون نسمة وهو ما يمثل 17.4% من الدخل
القومي للبلدان الغنية، ومع انتشار الإيدز بلغت الخسارة 72 مليون دالي
أي 35.1% من الدخل القومي في البلدان الفقيرة بعض الأمراض، التي يمكن
محاصرتها سريعاً، أن لم يكن استئصالها تسبب ليس فقط في وفاة 8 ملايين
نسمة بل تقضي على 330 مليون دالي كل عام، وهو ما يمكن أن يؤدي وفقاً
للتوقعات التي تشمل العقدين الماضيين، إلى ضياع دخل سنوي مقداره 186
مليار دولار بالنسبة للاقتصاد العالمي ثم يضيف التقرير أن هذه
التقديرات تتسم بالحذر والتحفظ فربما يصل الرقم الحقيقي إلى أضعاف هذا
الرقم، بعض المؤثرات تقدم فكرة أدق عن حجم التفاوت السائد بين مختلف
مناطق العالم، من بين 54 مليون فرد الذين يتوفون كل عام هناك 13.3
مليون شخص هم ضحايا الجراثيم والفيروسات والطفيليات وتزداد هذه النسبة
عند أخذ في الحسبان الوفيان المساه (مبكرة) في هذه الحالة تكون الأمراض
المعدية سبباً في 48% من الوفيات.
وعن الفجوة القاسية بين البلدان الأكثر تقدماً
والبلدان الأكثر فقراً هناك إحصائيات لها دلالتها، ففي البلدان الأقل
تقدماً تمثل نسبة 10% من الأطفال دون سن السنة، مقابل 6% في البلدان
الغنية والأطفال دون سن 5 سنوات تصل النسبة المأساوية 15.9% في البلدان
الأكثر فقراً مقابل 6% أيضاً في البلدان الغنية، وخلاصة أن البلدان
الغنية لا تقدم ما يتعدى 0.1% من دخلها القومي. |