أثار تقرير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة
عن تطورات التنمية البشرية في الدول العربية عام 2002 – 2003 جدلاً
واسعاً في الأوساط الأكاديمية والحكومية والدولية، فيما وصفت
ألينارومانوفسكي مديرة البرنامج مبادرة الشراكة الأمريكية – الشرق
أوسطية بوزارة الخارجية الأمريكية بأن تقارير برنامج التنمية العربية
أثارت دعوة قوية إلى التغيير بين المقيمين في المنطقة، وأضافت (أن هناك
أصواتاً بدأت تتعالى في جميع أرجاء المنطقة مطالبة بالتغيير والتعددية
السياسية وحكم القانون وحرية التعبير، بأسلوب أعتقد أن الكثيرين
سيتفقون معي أننا لم نسمع أو نرى أو كنا حتى نظن أننا نسمع مثله قبل
بضع سنوات، وأشارت إلى أن حكومة بوش استخدمت ما جاء في التقارير في
إعداد إطار العمل بشأن المساعدات التي ستقدم مبادرتها الخاصة بالشراكة
في الشرق الأوسط.
وذكر تقرير عام 2002م أن الدول المتحدثة
بالعربية قد تخلفت عن بقية دول العالم في مجال المعرفة، وحرية المرأة
والمساعدات المتاحة لها، وتبعه تقرير عام 2003م الذي ركز على ضرورة
زيادة جودة المعلومات وانتشارها وحسبما تقول رومانوفسكي بأن مبادرة
الشراكة مع الشرق الأوسط صممت بغرض دعم الإصلاحات الاقتصادية والسياسية
والتعليمية، وبالإضافة إلى تعزيز مكانة المرأة في دول المنطقة، كما
أنها توفر الدعم للقطاع الخاص في الدول العربية، وللمؤسسات الأكاديمية،
ومراكز الدراسات والفكر، والمنظمات غير الحكومية، وغيرها من قطاعات
المجتمع المدني بناء على مدى (اتجاهها نحو الإبداع والابتكار والعمل
الجسور وحسن التصرف) من أجل تشجيع الإصلاح من الداخل.
وأضافت رومانوفسكي أن المهمة التي تواجهنا مهمة
ضخمة ولن تتحقق بسهولة أو بسرعة بل لا بد لها أن تكون مهمة طويلة المدى
تمتد لأجيال ويجب ألا نتوقع حلاً سريعاً، ولا نلجأ إلى تخفيض مستوى
توقعاتنا، وإن المبادرة لا يمكن أن يكتب لها النجاح بدون دعم الشعب
الذي نحاول مساعدته، ومن الضروري أن تتغلب الولايات المتحدة على الشكوك
المحلية التي تردد أن المبادرة ما هي (إلا خطة أمريكية من أجل إعادة
تشكيل الشرق الأوسط حسب رؤيتها أو لفرض حلول لا تأخذ في الاعتبار
الحساسيات المحلية وأننا حتى لو حاولنا فعل ذلك فأننا سنفشل فنحن ندرك
أن القيم الثقافية والعادات والتقاليد السائدة في المنطقة مختلفة
ومتنوعة فيما اعتبر جيمس زغيبي رئيس المعهد العربي الأمريكي أن
التقارير أثارت الحاجة إلى إجراء الحوار الضروري اللازم) وهو ما سيؤدي
إلى تقدم جهود الإصلاح المشروعة والمنطقية، بالإضافة إلى إيجاد حوافز
لتحقيق قدر أكبر من التقدم، كما أن المناقشة أو الحوار الذي أثاره
التقرير يعد عاملاً مهماً في حد ذاته فيما شكك زغيبي في مدى نجاح الذي
يمكن أن تحرزه إدارة بوش في مجال تشجيع الإصلاح من خلال مبادرة الشراكة
مع الشرق الأوسط نظراً للغضب الشعبي السائد تجاه سياستها في دول
المنطقة وقال أنني قلق لأنني أريد أن يكون بلدي عاملاً مشجعاً لدعم
التغيير، لكن أجد أن قلقي يتزايد بسبب حقيقة أن شعوب المنطقة لا
تعتبرها كذلك، وفي مقابل ذلك قالت رومنافوسكي أن اختلاف الآراء بشأن
السياسة ينبغي ألا يمنع الولايات المتحدة من تأييد دعم الإصلاح من خلال
مبادرة الشراكة وقالت أننا لم نجد أي شخص غير راغب في التعاون معنا،
فيما أعربت مي الريحاني كبير نواب أكاديمية تطوير التعليم عن ترحيبها
بالهدف الذي حددته تقارير التنمية البشرية وهو خلق تصور استراتيجي يمكن
أن يصبح القوة الدافعة لإعادة هيكلة العالم العربي من الداخل وأضافت أن
الولايات المتحدة يجب أن تقوم بدور تقديم التسهيلات بدلاً من دور
المصمم أو المخطط أو المنفذ للإصلاحات، واتفقت على حجم التحديات التي
تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسبما حددها التقرير، لكنها نبهت إلى
خطورة استخلاص نتائج عامة تنطبق على الدول العربية دون إدراك الفروق
والاختلافات بينها والخصوصية التي تميز بعض الدول أو مجموعة من تلك
الدول وأشارت الريحاني إلى مثال ورد في بيانات التقرير حول قدرة
المواطنين العرب على الاتصال بشبكة الانترنيت حيث ذكر أن 1.6% فحسب من
المواطنين العرب يستطيعون استخدام الانترنيت وقالت أن التقرير شمل دولاً
مثل العراق والسودان واليمن التي ليس لديها منفذ من الناحية العملية
للوصول إلى الانترنيت وأن النسبة التي ذكرها التقرير حجبت بعض الدول
العربية في هذا المجال مثل دولة الإمارات العربية المتحدة التي يستطيع
30% من مواطنيها الاتصال بالانترنيت وقالت أن التقرير التنمية البشرية
للدول العربية كان يمكن أن يكون مفيداً لدرجة أكبر لو أنه لم ينظر إلى
العالم العربي بصفته كياناً واحداً.
وتحدثت ريما خلف هنيدي نيابة عن واضعي التقرير
بصفتها مساعد للأمين العام لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية
ومساعداً إدارياً لمجموعة الدول العربية حيث سئلت عن دور أئمة المسلمين
في تقدم أو تعويق جهود الإصلاح فقالت: (إن العديد من رجال الدين على
استعداد للمجاهرة بآرائهم المؤيدة لدعم مكانة المرأة وحريتها وتوسيع
نطاق قدرتها على المعرفة لكن لا الحكومات العربية ولا الغربية تمنحهم
الفرصة وأضافت أن بعض أولئك الباحثين أو الفقهاء بدأوا التعرض للخطوط
السياسية الحمراء، بالمبالغة في الدعوة إلى منح الحريات أو بالإعلان عن
دعمهم للاتجاهات السياسية المثيرة للجدل أو الغير مرغوب فيها ولذلك فإن
أصواتهم قد أسكنت تماماً وخلصت ريما خلف هنيدي إلى القول أن ذلك حدث في
منطقة استخدمت فيها أنظمة الحكم العربية فتاوى أئمة والفقهاء في معظم
الحالات لحض المسلمين على طاعة أولي الأمر منهم وعدم مساءلتهم. |