بسم الله الرحمن الرحيم
التقى سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام
ظله) جمعاً من المؤمنين وألقى فيهم كلمة بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام
أمير المؤمنين سلام الله عليه، جاء فيها:
في الخطبة التي خطبها رسول الله صلّى الله عليه
وآله في استقبال شهر رمضان المبارك - ولها أسانيد معتبرة، وإن كان
السند المنسوب إلى الشيخ الصدوق رحمه الله أكثر اعتباراً – روي أن
الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه سأل رسول الله صلّى الله عليه
وآله في نهاية الخطبة قائلاً: «ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟» فقال
الرسول صلّى الله عليه وآله في جوابه: «الورع عن محارم الله». (بحار
الأنوار، ج2، ص190).
ثم إن الرسول صلّى الله عليه وآله بكى بعد ذلك،
فسأله الإمام عن سبب بكائه، فأخبره النبي صلّى الله عليه وآله أنه
سيقتل في هذا الشهر. فسأله الإمام سلام الله عليه: «أفي سلامة من ديني؟»
فأجابه النبي صلّى الله عليه وآله: «في سلامة من دينك». (بحار الأنوار،
ج28، ص55، ح22).
وفي رواية أخرى أن النبي صلّى الله عليه وآله خرج
يوماً مع الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه إلى ضواحي المدينة،
وعندما نظر إليه النبي صلّى الله عليه وآله بكى، فسأله الإمام عن سبب
بكائه فأخبره صلّى الله عليه وآله بما سيجري عليه من بعده، فقال الإمام
: أفي سلامة من ديني؟
وفي مورد ثالث أن النبي صلّى الله عليه وآله أخبره
عن عداوة القوم له، وكرر الإمام السؤال نفسه.
فماذا يضمر هذا السؤال؟ إن الإمام أمير المؤمنين
سلام الله عليه يسأل عن سلامة الدين، وهي لفظة مركبة من كلمتين، بل هي
بمثابة كلمة واحدة في اللغة ولكن يالها من كلمة تحظى بأهمية كبيرة.
لو أُبلغ أحدنا بخبر موته وكان متيقناً من صحة
الخبر، فكيف سيكون حاله؟ لا شك أن أكثر الأشخاص سيتحسرون على فقدهم
الحياة وفراقهم المال والأهل والولد. أما الإمام أمير المؤمنين سلام
الله عليه فلم يتأسف أو يتحسر ولم يحزن ولا فكر إلا في أمر واحد وهو
سلامة دينه!
لقد أخبر النبي صلّى الله عليه وآله الإمام أمير
المؤمنين سلام الله عليه عن الظلم الذي سيقع عليه، وكان الإمام سلام
الله عليه ذا شخصية قوية سواء من حيث الإدراك والعلم، أو من الناحية
البدنية، والإنسان القوي إذا وقع عليه ظلم، فإنه يقع تحت تأثير نفسه
الأمارة عادة ويسعى للانتقام، وتوسوس له نفسه وتنسيه دينه وتجعله خاضعاً
لمشاعر الانتقام والأحاسيس النفسية، ولكنا نرى الإمام أمير المؤمنين
سلام الله عليه يختار السكوت من أجل مصالح دينه! لو أن شخصاً أهان
واحداً منا، ولم يكن ردّنا له في صالح ديننا فماذا سنفعل؟ إن السكوت في
مثل هذه الحالة يتطلب مقدمات كثيرة حتى يستطيع المرء أن يعمل وفق مصالح
دينه ويدع أهواءه النفسية جانباً.
وإذا كان بلوغ السلامة في الدين أمراً ايجادياً
وتكوينياً واختيارياً، فما المقصود بسلامة الدين؟
إن القرآن لاعيب فيه، ووصايا الرسول صلّى الله عليه
وآله وأهل بيته سلام الله عليهم وأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم صحيحة
وسليمة أيضاً، فما هو المراد من السلامة في الدين إذن؟
إن المقصود هو سلامة الإنسان في دينه وأن يكون على
نصيب منه.
في بعض روايات باب النكاح أن النطفة إذا انعقدت في
وقت كذا كان المولود في سلامة من دينه.
بعبارة أخرى إن المعيار الذي يُعرف به سلامة الدين
هو في معرفة مدى استيعاب الإنسان لمفاهيم القرآن وكلمات أهل البيت سلام
الله عليهم والعمل والالتزام بهما.
عندما تسأل شخصاً: كيف حالك؟ فيجيب: "سالم
والحمدلله"، فما معنى "سالم"؟ معناه أن فكره وأعضاء بدنه وجوارحه كلها
سالمة، ولو كانت أعصابه متشنجة لم يقل إنه سالم، وهكذا سلامة الدين فهي
تعني أن يكون الإنسان سالماً في دينه كله.
ولقد أشير أن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه
عندما سأل الرسول صلّى الله عليه وآله عن أفضل الأعمال في هذا الشهر،
أجابه الرسول صلّى الله عليه وآله إنه الورع عن محارم الله. وهذا في
الحقيقة هو الذي يقربنا من سلامة الدين. إن الدار المبنية قبل عشرين
سنة ليست نفسها اليوم بسبب استهلاكها خلال هذه المدة، وهكذا الطعام
الذي يطبخ الآن أو اللباس الذي يخاط، والسيارة وكل ما يستعمله الإنسان
لن يبقى على حاله بعد مرور مدة من الزمن، فكل شيء في هذه الدنيا إلى
نفاد، كل الماديات في طريقها إلى الاضمحلال والتلاشي، أما الإنسان
فيختلف حاله عن الأشياء التي أشرنا إليها، فصحيح أن عمره وكيانه
الظاهري (أي بدنه) سائر إلى الفناء والزوال، ولكن جنبته المعنوية وروحه،
على العكس من ذلك، تسير نحو العروج والتعالي بدل الأفول والنقصان. هناك
بعض الأشخاص يبدون ظاهراً أنهم يقضون حياتهم في سلامة من دينهم ولكن
عواقبهم في آخر عمرهم تكون إلى شرّ، ويصدق العكس أيضاً.
أسأل الله تعالى أن يجعل كلاً منا قادراً على أن
يوجد في نفسه السلامة في الدين، في هذا الشهر الكريم، شهر رمضان
المبارك، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
سننشر النص الكامل للحديث قريباً إن شاء الله تعالى. |