صرح مسؤول اميركي بارز بأن فريق السياسة الخارجية
في ادارة الرئيس جورج بوش التقى الحاكم الاميركي المدني للعراق بول
بريمر للتباحث معه حول انقاذ مرحلة التحول السياسي في العراق من خلال
تسريع عملية تسليم السلطة للعراقيين. وكان بريمر قد وصل الى واشنطن
بصورة مفاجئة لمناقشة العديد من المقترحات بما في ذلك إجراء نوع من
الانتخابات في العراق خلال فترة تتراوح بين اربعة وستة أشهر بغرض
اختيار هيئة تكلف بصياغة دستور للبلاد الى جانب انتخاب مسؤول في بغداد
لتولي السلطات ذات الصلة بسيادة العراق. ويعتقد مراقبون ان هذه الصيغة
اقرب الى النموذج الذي اتبع في افغانستان خلال فترة ما بعد الحرب.
ووصف مسؤول اميركي رغبة ادارة بوش في تسريع خطوات
نقل السلطة الى العراقيين بأنه «توجه حكيم وعقلاني».
ووسط الاحباط المتزايد ازاء مجلس الحكم العراقي
الذي عينته سلطات التحالف، ناقش بريمر عدة تغييرات على مقترحات البيت
الابيض مع كل من ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي، ودونالد رامسفيلد
وزير الدفاع، وكولن باول وزير الخارجية، وكوندوليزا رايس مستشارة
الرئيس لشؤون الامن القومي، وجورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات
المركزية الاميركية (سي آي ايه). ومن المقرر ان يكون الرئيس بوش قد
شارك في جولة ثانية من المحادثات في وقت يأمل فيه مسؤولون اميركيون
المصادقة على خطة يطبقها بريمر في العراق. إلا ان القرار حول هذه
القضية ربما يجري تأجيله بسبب الخلافات التي لا تزال موجودة داخل ادارة
بوش وفي اوساط مجلس الحكم العراقي نفسه. فبعض كبار مسؤولي الكونغرس في
دوائر صنع السياسات يفضلون اقتراحا منفصلا يمكن من خلاله تسليم السيادة
لمجلس الحكم العراقي المؤقت رغم المؤشرات المتعددة على عدم اعتراف
الكثير من العراقيين بشرعية المجلس. ويرى محللون ان التغير في الموقف
الاميركي املته مخاوف امنية، اذ ان هناك من يربط التحول السياسي وتسليم
السيادة للعراقيين بالخفض التدريجي لعدد افراد القوات الاميركية في
العراق، اذ ثمة اعتقادا واسعا في ان سرعة تشكيل حكومة تؤيدها غالبية
العراقيين ربما يؤدي الى سرعة استتباب الامن والاستقرار مما يسمح بسحب
قوات ومسؤولي التحالف من العراق. وكانت ادارة الرئيس بوش قد ظلت تشعر
بقلق متزايد ازاء الانتقال السياسي في العراق في ظل الموعد النهائي
الذي حددته منظمة الامم المتحدة وهو 15 ديسمبر (كانون الاول) المقبل كي
يختار مجلس الحكم الانتقالي بنهايته لجنة لصياغة الدستور، وهي تعتبر
اول خطوة في نقل السلطة للعراقيين، وتحديد جدول زمني لإجراء استفتاء
عام على الدستور وتعداد للسكان وإجراء اول انتخابات ديمقراطية، إلا ان
الخلافات العميقة داخل مجلس الحكم ازاء كيفية اختيار لجنة دستورية قد
عرقلت إجراء أي تقدم في هذا الجانب. وقال مسؤول بارز في سلطة الائتلاف
المؤقتة في العراق ان الهدف هو تنشيط التحركات والخطوات ذات الصلة
بالدستور العراقي المرتقب وايجاد افضل السبل لتحويل المزيد من السلطات
الى القادة العراقيين الذين يعترف بهم المواطنون العراقيون كقادة
شرعيين. وأكد مسؤولون اميركيون انهم لا يعتزمون التخلي فجأة عن المجلس
الحاكم. ويدعو اقتراح الى توسيع المجلس بطريقة تسمح بانضمام اعضاء
يختارهم العراقيون مما يمنحه شرعية اكبر.
وحتى اذا تم تطبيق عملية جديدة، فإن المجلس سيظل
السلطة العراقية الرئيسية حتى ذلك الوقت. وسيسمح لاعضاء المجلس
بالمشاركة في الجمعية الجديدة والحصول على ادوار قيادية ـ في تلك
الحالة كمسؤولين ينتخبهم العراقيون بدلا من تعيينهم من قبل قوات
الاحتلال.
ولكن الافكار التي تحظى بدعم اميركي اقوى تسعى الى
عملية نقل تتعدى المجلس. ويدعو اقتراح المجلس الى وضع دستور مؤقت او
مجموعة من القوانين المحلية التي يمكن بمقتضاها اجراء انتخابات لاختيار
لجنة دستورية في الصيف القادم. ومثل هذه اللجنة ستساهم في تأسيس هيئة
تنفيذية ذات سيادة للحكم الى ان يتم صياغة دستور وعقد اول انتخابات
ديمقراطية لحكومة دائمة في العراق في مرحلة ما بعد صدام.
وذكر مسؤولون اميركيون ان بريمر يأمل في تقديم خطة
الادارة للعراقيين في بغداد هذا الاسبوع لمناقشتها مع المجلس. والادارة
مصممة على التصرف بطريقة حاسمة، ولا سيما ان المجلس لم يتفق حتى على
كيفية اختيار العراقيين الذين سيتولون صياغة الدستور.
وأشار مسؤول كبير في الادارة الى «وجود احساس
بالاحباط خطير بخصوص الطريقة التي يعمل بها حتى الان. فلم يظهر المجلس
القدرة على جدية الهدف او التصميم بخصوص عمله».
ويبدو ان الخلاف الاكبر هو فترة العملية الدستورية،
وهو مشروع سيؤدي، في الواقع، الى جعل مجلس الحكم بلا مهام، بخلق بديل
منتخب. ويسعى المسؤولون الاميركيون الى اختيار مؤتمر دستوري والانتهاء
من صياغة الدستور قبل انتخابات 2004 في العراق. وقد اقترح بعض اعضاء
المجلس عملية اطول بكثير، تصل الى فترة تتراوح بين عامين وثلاثة.
واعرب عضو المجلس موفق الربيعي، وهو طبيب شيعي عاد
من المنفى في بريطانيا، عن اعتقاده «بضرورة منح العملية الدستورية بعض
الوقت. واذا ما تعجلنا في الامر فسيؤدي الى نتائج عكسية. يجب طهي هذه
الاكلة على نار هادئة».
ويشعر العاملون في قوات التحالف بالقلق من احتمال
ضياع الوقت ويدعمون الحاجة الى التركيز على «اين المخرج؟» طبقا لما
ذكره مسؤول اميركي في بغداد. وجزء من المعادلة هي الاعتقاد بأن
العراقيين انفسهم يحتاجون الى رؤية «الضوء في نهاية النفق».
وقد طرح تقرير لوكالة المخابرات المركزية وصل من
العراق الى واشنطن في عطلة نهاية الاسبوع الماضي صورة قاتمة للموقف.
فقد ذكر التقرير ان الهجمات على القوات والافراد الاميركيين قد زادت
الى ما يتراوح بين 30 و40 عملية يوميا في الوقت الذي لم يصبح مجلس
الحكم قادرا على التقدم في مجال صياغة الدستور والانتخابات ولم يحظ بأي
دعم من الشعب العراقي، طبقا لمسؤول كبير في الادارة الاميركية على علم
بالتقرير السري.
وبالرغم من ان التقرير يجمع معا الانباء السيئة
للادارة، فإن توقيت وصوله لم يكن متعمدا ان يتم في توقيت وصول بريمر،
طبقا لما ذكره المسؤول.
وكان الرئيس الاميركي بوش قد ذكر في كلمة القاها
بمناسبة يوم المحاربين القدامى في مؤسسة التراث الاميركية، ان
العراقيين على الطريق نحو السيطرة السياسية. «ان العراقيين يمضون
يريدون الحرية، وهم يسيرون نحو الحكم الذاتي».
كما كرر بوش تعهدات سابقة بالبقاء في العراق واكد
وجود خطة لعملية التحويل. واوضح «ان الولايات المتحدة قدمت التزاما لا
يمكن التراجع عنه بنجاح الحرية في افغانستان والعراق. لدينا استراتيجية
لتحقيق هذا الالتزام».
ووصف الرئيس الصراع بأنه «محصور في منطقة مسيطر
عليها». واوضح ان العنف يتركز في 200 ميل مربع تعرف باسم مثلث البعثيين،
ومسقط رأس صدام حسين ومعظم مساعديه. وفي الواقع فان مساحة المنطقة
المعروفة باسم المثلث السني، كما يطلق على المنطقة المحيطة ببغداد
وتكريت، تصل الى عدة آلاف من الاميال. وذكر بوش ان الولايات المتحدة
تحارب الجماعات الارهابية في العراق مثل القاعدة وانصار الاسلام.
وأضاف ان «المتطوعين الاجانب يصلون عبر الحدود
العراقية في جماعات صغيرة بهدف تشكيل نظام على غرار طالبان، وان
التقارير الاخيرة تشير الى انه بالرغم من اختلافاتهم، فإن هؤلاء القتلة
يعملون معا لنشر الفوضى والارهاب والخوف». |