الانطباع العام السائد اليوم في الشارع العراقي
يوضح بما لا يقبل الجدل أن الاستهداف الأول للإرهابيين ومن بينهم عناصر
عروبية مغرر بها هو أعادة عجلة التاريخ العراقي إلى الوراء والسيطرة
على مقاليد الحكم مرة أخرى من قبل أعداء العراق الداخلين المتمثلون
بالعناصر السياسية الإجرامية الذين كانوا يشكلون الفريق المحيط بقيادة
وبعصابة الحكم الصدامي البائد.
إن التضحيات بالإنسان العراقي لم تعد مجالاً
مقبول أن يستمر وبما لا نهاية لوضع حد له ولعل أرقام الضحايا من
العراقيين مع أنها بقيت مجهولة من أولئك الذين فقدوا حياتهم خلال الحرب
الأنكلو – أمريكية الأخيرة التي انتهت بسقوط النظام السابق غلا أن
دراسة أمريكية مستقلة بانت بحسب تقدير مجموعة من الباحثين الأمريكيين:
(أن زهاء (13) ألف عراقي بينهم (4300) مدني قتلوا خلال العمليات
العسكرية الرئيسية في الحرب الأخيرة والتي استمرت ما بين 19 مارس آذار
إلى 30 إبريل (نيسان) الماضي، وأوضحت الدراسة التي نشرت نتائجها مؤخراً:
(أن هذه الأرقام ترتكز على معطيات أمريكية للمعارك.. بالإضافة إلى
تقارير صحافية من أرض المعارك وتحقيقات أجريت في المستشفيات العراقية،
في حين كشفت الدراسة أيضاً أنه: (في الجانب العراقي كشف تحليل عن
الأدلة المتوفرة أن بين (11 و 15) ألف عراقي بين مقاتلي وغير مقاتلين
قتلوا خلال العمليات الرئيسية).
وطبيعي فإن هدر دماء العراقيين من المدنيين وغير
السياسيين الذين ذهبوا ضحايا النهج العدواني لعصابات صدام نتيجة
لعمليات التفجير الإرهابية ما زال أرقامها مجهولة.
لقد استدعى الظرف السياسي الجديد أثر هزيمة نظام
الحكم السابق تشكيل محاكم قانونية أو على الأقل محاكم ثورية لدى
الأحزاب المعارضة الرئيسية التي كان النظام السابق يتسابق.. لإبادة
أشخاصها كأن تكون هناك (محكمة عند كل حزب) تحاكم من ألحق الموت والدمار
والخسران بأعضاء ذلك الحزب وعلى طريقة المحاكم الثورية التي كانت تشكل
في بلدان عديدة تعرضت لظروف مشابهة تقريباً لأوضاع العراق بعد سقوط
بغداد.
إلا أن عقد الأمل على أساس تشكيل محاكم قانونية
إلى ما لا يسمى من تاريخ محدد حتى الآن هو أحد أسباب التفريط بالوضع
الأمني إذ أن هذه الفترة المحصورة الآن ما بين التطلع نحو تشكيل تلك
المحاكم القانونية وشيوع ظاهرة العمليات الإرهابية التي تقع في العراق
بمعدل يومي قد تسبب بفقدان كثير من الأمل لدى المجتمع العراقي بخطط
مجلس الحكم الانتقالي وتنشيقاته مع إدارة الحاكمية الأنكلو – أمريكية
الحالية في العراق، حيث لم يعد من المناسب أن تجابه عمليات اتساع
الإرهاب والقتل العشوائي في العراق التي طالت الأرواح والممتلكات
العراقية أيضاً على كونها أمر قابل لتأجيل بثه حتى صدور الدستور الدائم
للبلاد إذ أن في ذلك هروب من مواجهة الواقع المطلوب والبقاء عن مبدأ
العدالة.
أن الوجه الخفي للجلاد صدام وعصابته الفاسدة
التي لم تتسامح أو تسامح مئات الآلاف من المواطنين العراقيين البعيدون
عن العمل السياسي وألقت القبض عليهم بغاية ترهيب الناس وأصبحوا مجهولوا
المصير هي ذاتها اليوم العصابة التي تستسهل إلحاق الموت والقتل
للعراقيين لأنها تعلم أن أفرادها مطلوبون للشعب العراقي وأن استتباب
الأمن بفترة لاحقة بالعراق سيؤدي حتماً إلى تشكيل محاكم قانونية ضدهم
وحيال مثل هذا الظرف المعقد يفضل أن تكون وسيلة الحاكمين المؤقتين في
العراق داعون لابتغاء كسر حاجز الخوف بين المواطنين العراقيين وتأسيس
محاكم سريعة دون أي انتظار لمرحلة ما بعد صدور الدستور العراقي المؤمل
فثقافة أفراد العصابات الصدامية هي اليوم محصورة بين أن يكون قاتلين أو
سيكونوا مقتولين قريباً لا محالة.
إن ما يخشاه مواطني العراق أن تكون هناك حالة من
عدم الإدراك الذكي لما يجري الآن في البلاد من عمليات قتل وتفجير إذ أن
جبهة مكافحة ميدانية وقانونية لمنع ذلك لا بد من إقامتها على وجه
السرعة إذ من اللامفهوم حتى الآن أن نقص المعلومات لدى قوى التحالف
لمعرفة العراقيين من غير العراقيين بين هؤلاء الإرهابيين يساعد على
تحركهم داخل مناطق عديدة في طول وعرض البلاد، وينفذوا عملياتهم بكل
سهولة. أما عن موضوع تحذيرات قوى الظلام الصدامية فهي خارج حدود
الناحية العملية المرادة ففي وسط شكوك قوية أفادت بعض الأخبار أن كولن
باول وزير الخارجية الأمريكي أعترف قبل أيام بالعجز الأمريكي عن توفير
المساعدات الكافية لإعادة بناء العراق.
وإن إعادة بناء البُنى التحتية سوف لن يعني شيئاً
ما لم تتوفر شروط الأمان للحياة داخل العراق وتوفير مستلزمات ذلك بما
في ذلك حماية وتأهيل منشآت النفط العراقي، لقد أستطاع النظام السابق أن
يجعل من الناس رقيق يباع ويشترى مصيرهم في سوق نخاسة السياسة! واليوم
يريد ذلك النظام المنهار أن يعيد الكرة لاستلام الحكم من جديد..لينكلوا
بالشعب العراقي مرة أخرى ويضيعوا العراق في متاهات سياساتهم الهوجاء. |