باتت الجمعيات الخيرية في أنحاء العالم مثار شكوك
حيث يشتبه في أن بعضها يمول الإرهابيين.
ودفعت هذه الشكوك العديد من الدول وخاصة الولايات
المتحدة وبريطانيا إلى التدقيق في أنشطة المنظمات غير الحكومية بها.
ولا تلاقي هذه النظرة الجديدة من قبل الحكومات
استحسان الجمعيات الخيرية الإسلامية، إلا أن الأمر لا يعد مفاجأة لها.
وقال شودهاري معين الدين رئيس جمعية العون الإسلامي
الذي يدير أعمال جمع تبرعات تقدر بحوالي خمسة مليارات إسترليني من مكتب
في شمال لندن "إن هذا النوع من القيود المفروضة على بعض الجمعيات
الخيرية ليس عادلا على الإطلاق...فنجد عناوين الصحف تقول إنه تم وقف
نشاط جمعية العون الإسلامي، وأتلقى بعدها عشرات من المكالمات من قبل
المتبرعين للاستفسار عن صحة تلك الأنباء."
حرب من نوع آخر
لكن التركيز على مراقبة أعمال تلك الجمعيات لا يزال
قائما. ويذكر أن هذه الجبهة الجديدة التي تهدف لمحاربة تمويل الإرهاب
اتسعت رقعتها على مدار العامين الماضيين منذ أحداث الحادي عشر من
سبتمبر-أيلول عام 2001.
فبمجرد اختراق طائرتين مدنيتين لبرجي مركز التجارة
العالمي، قام المحققون بتجميد اصول ثلاث جمعيات خيرية إسلامية في
الولايات المتحدة واعتقلوا كبار العاملين بها.
وهدأت الأمور بعد ذلك لفترة قصيرة، إلا أن الجمعيات
الخيرية والمنظمات غير الحكومية عادت مرة أخرى إلى دائرة الضوء.
وعقد الكونجرس الأمريكي مجموعة من جلسات الاستماع
عالية المستوى يتم فيها اتهام جمعيات خيرية في الولايات المتحدة
وأوروبا وبالأخص في السعودية بضخ مساعدات مالية إلى الجماعات الإرهابية
والمتشددة.
وعلى مدار الستة أشهر الماضية، أمرت وزارة المالية
الأمريكية بحظر نشاط عدد من الجمعيات الخيرية في جميع أنحاء العالم.
ثغرات في الشبكة
ودخلت الجمعيات الخيرية حيز اهتمام السلطات في جميع
أنحاء العالم لأن سلطات تطبيق القانون طالما كانت تخشى أن توفر
المنظمات غير الحكومية قناة لضخ المساعدات المالية لصالح الجماعات التي
تنتهج العنف.
وتشير سلطات تطبيق القانون إلى أن مراجعة النشاط
المالي للجمعيات لا يأتي بثماره دائما خاصة وأن طبيعة العمل الخيري
المبني على الثقة تعني أنه من الصعب على أي دخيل إخفاء تمويله لصالح
الجماعات الإرهابية وسط الأموال التي يتم استخدامها لأغراض المساعدة
والإغاثة.
وقال دينيس لورميل، المسؤول بمكتب التحقيقات
الفيدرالي الأمريكي، في حديث للبي بي سي نيوز أونلاين "هناك نقطة ضعف
تتيح إمكانية نقل الأموال عبر الجمعيات الخيرية الأمر الذي يجعل تلك
الجمعيات آلية مدهشة للتمويل."
وتتضمن القوانين الدولية لمحاربة تمويل الإرهاب
التي نشرت في نفس الشهر الذي وقعت به هجمات الحادي عشر من سبتمبر-أيلول
توصيات بشأن تنظيم عمل الجمعيات الخيرية من قبل لجنة الجمعيات الخيرية
البريطانية.
تقديم يد العون
وأكدت اللجنة أنها اكتشفت أن قلة من الجمعيات
الخيرية أسئ استخدامها مشيرة إلى أن الإرهاب ليس مرتبطا بأي جماعة
دينية.
وأوضح سيمون جيلسبي مدير العمليات باللجنة أن
النظام الذي تتبعه بريطانيا في تنظيم عمل الجمعيات الخيرية يسير بصورة
متوازنة.
لكنه أضاف أنه يجب تشديد القوانين في بعض المواضع
الأخرى مؤكدا أن اللجنة تكثف من حملتها ضد الجمعيات المخالفة.
وتعمل اللجنة على تنظيم ندوات في العديد من الدول
بما فيها سيريلانكا وأفغانستان وجنوب أفريقيا لدعم حملة مكافحة تمويل
الإرهاب. وتساهم الحكومة البريطانية في تمويل تلك الندوات.
وقال جيلسبي "إننا لا نذهب لتلك الدول كقوة
ديكتاتورية...إنهم لا ينظمون عمل المنظمات غير الحكومية بنفس الأسلوب
الذي نتبعه، لذا فإننا نستطيع مد يد العون لهم."
وكما هو الحال في بريطانيا، يحاول المحققون
الأمريكيون اثبات أن أغلب الجمعيات الخيرية فوق مستوى الشبهات وأن تلك
الجمعيات التي ثبت أنها تضخ أموالا للإرهابيين كانت لا تعلم ذلك."
وقال دينيس لورميل في هذا الصدد "لقد تم استغلال 95
بالمئة من الجمعيات التي تم اختراقها...وحتى في مثل هذه الحالات لدى
هذه الجمعيات ما يثبت أنها وجهت نسبة كبيرة من أموال التبرعات لصالح
أعمال الخير."
اتهامات
لكن تلك التصريحات غير كافية لترضية الجمعيات
الخيرية الإسلامية في جميع أنحاء العالم التي تقول أن تلك الشكوك غير
المبررة لطخت سمعتها لأن تلك الجمعيات ذات خلفيات إسلامية.
ويذكر أن زكاة الأموال تعد فرضا طبقا لتعاليم
الإسلام. ويتم إخراج الزكاة بغرض التخفيف عن الفقراء والمحتاجين
والمرضى في الدول الإسلامية.
لذا فإنه ليس غريبا ان تكثر التبرعات الإسلامية
وتتنوع من مجرد تبرعات عينية لصالح المساجد المحلية إلى أعمال جمع
تبرعات بملايين الدولارات في عشرات من الدول.
وتعد جمعية العون الإسلامي التي يتركز نشاطها في
السودان والصومال وبنجلاديش من أكبر الجمعيات الخيرية ولا يفوقها في
حجم التبرعات السنوية التي تجمعها سوى بضع منظمات بما فيها منظمة
الإغاثة الإسلامية التي تجمع تبرعات تقدر بنحو 20 مليون إسترليني سنويا.
وقد تواجه بعض الجمعيات مشكلات تتعلق بحساباتها
والشفافية في معاملاتها.
وتعمل جمعية العون الإسلامي وفقا لتوصيات لجنة
الجمعيات الخيرية، كما تستخدم برنامجا للحسابات صمم خصيصا لمراجعة
حسابات الجمعيات الخيرية الإسلامية.
تعاون
وفي المقابل، أعربت السلطات الأمريكية عن ثقتها في
أن اتهاماتها للجمعيات الخيرية لها ما يبررها.
لكن التحرك الأمريكي في هذا الشأن قوبل بدرجات
متفاوتة من التعاون من قبل العديد من الدول الأخرى.
فعندما أعلنت الولايات المتحدة في إبريل-نيسان
الماضي أن كتائب شهداء الأقصى مسؤولة عن تمويل المفجرين الانتحاريين في
إسرائيل، كان رد الفعل فوريا حيث تعهدت بعض الدول الأوروبية بما فيها
بريطانيا بتجميد أموال الجماعة.
وفي أغسطس/آب الماضي، عندما اتهمت واشنطن خمس
جمعيات خيرية بتوفير الدعم المالي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية
"حماس" كان رد الفعل مختلف.
فقد جمدت لبنان اصول الحركة منذ أسابيع قليلة بعد
تعرضها لضغط هائل من قبل الولايات المتحدة.
كما قامت لجنة الجمعيات الخيرية بتجميد اصول جمعية
"إنتربال" البريطانية. لكن اللجنة رفعت الحظر المفروض على أموال "إنتربال"
في 24 سبتمبر-أيلول الماضي مشيرة إلى أن الولايات المتحدة عجزت عن
تقديم دليل يعزز من اتهاماتها. |