ليس من المفاجأة أن يتيقن العراقيون أن صدام
وعناصر عصابته السياسية أن يحاولوا تحويل فرحة الشعب بزوال الحكم
الصدامي إلى مأتم عزاء وما الأخبار الواردة عما حدث داخل العاصمة بغداد
أخيراً التي نقلت خبر قتل (42) مواطناً عراقياً مدنياً وجرح أكثر من
(200) مواطن معظمهم من العراقيين أيضاً إلا دليل ثابت على أن صدام
وعصابته هم في صف أعداء العراق سواء كانوا في السلطة أو خارجها.
وما أدرى الرأي العام بالتفكير الجهنمي الذي
يسيطر على عقل صدام المريض وميتة ضمائر الأفراد المحيطين به فهؤلاء
الذين شاءت الأقدار التي لم تكن متوقعة تماماً في حسابات الفكر السياسي
العراقي المعارض أن يسحب بساط الحكم من تحت أيديهم وأرجلهم الملطخة
بدماء الشعب العراقي بهذه السرعة التي توجت بنتيجتها يوم 9 نيسان
الماضي 2003م الذي أسدل الستار على أرهب نظام عرفته البشرية حتى الآن
بيد أن محاولة أن يجدد الصداميون مرة أخرى تلطيخ أياديهم بدماء مواطنين
عراقيين أبرياء حتى بعد هزيمة النظام السابق أمر في غاية الخطورة.
ولعل في تمادي العمليات الإرهابية الآنفة وما
سبقها وما قد يتم تنفيذ غيرها تفسير يؤيد فيه العقل السياسي الراجح
سواء لدى العراقيين أو غيرهم بأن هناك حالة استخراد للأوضاع العراقية
الراهنة خاصة وأنها تحدث في ظل غياب السيطرة التامة على الداخل العراقي
التي سبق وصرحت قوى التحالف بأنها من مهامها حفظ الحالة الأمنية
بالعراق.
وما يخشاه العراقيون أن تمرر رسالة صدام وعصابته
الموجهة للشعب العراقي أساساً والتي تترجمها معاني العمليات الأخيرة
التي بلغت (12) عملية تفجير إرهابية خلال يوم واحد في العاصمة بغداد،
وأسفرت ما أسفرته عنه من تلك الأعداد الهائلة للقتلى والجرحى العراقيين
مما يعكس الحالة لدرجة التصور وكأن الشعب العراقي مطلوب لصدام وعصابته
وليس العكس.
قد يثير أحد اللاعارفين لهوية النظام السابق
المشبوهة ما هي الخلفية الحقيقية لتلك التفجيرات وماذا يريد أركان ذلك
النظام الذي سقط سريعاً في حرب حتى تحاشى تحديها من الناحية العسكرية
العملية، هل يريد صدام أن تعيد قوى التحالف الاعتبار لشخصه ولحكمه
ولأزلامه؟!
وتستسلم تلك القوى لحكم مهزوم؟! وإذا ما حدث ذلك
على سبيل مجاراة العقل الصدامي المريض ومن يتبعه فماذا سيعمل صدام في
حكمه القادم لا سماح الله إذا ما وقع؟ أليس ذلك سيكون مناسبة مجددة
لتكرار ذبح العراقيين الذي لا تغيب مشاعر التعبير عن فرحتهم في الشوارع
والأماكن العامة في مختلف جغرافية العراق عن ذهن فرق الجريمة الصدامية
التي أصبحت لا تفرق بين العراقيين كشعب والأجانب كمحتلين فتسبب لهما
الموت معاً.
ومن الغريب حقاً أن ما يقع ضمن استهدافات
العصابة الصدامية هي مقرات اللجان التابعة لهيئة الأمم المتحدة
ومكاتبها الإنسانية كذلك فقد طالت التفجيرات الأخيرة مقر اللجنة
الدولية للصليب الأحمر في بغداد عندما انفجرت سيارة إسعاف مفخخة كان
يقودها انتحاري جاهل أمام المقر الآنف لتنشر الموت والرعب بين موظفي
فرع المنظمة العالمية الذين يشكل العراقيون أغلبهم.
طبيعي أن وضع التفجيرات داخل العراق إذا ما
استمر دون رادع يواكب تحركات المخربين والإرهابيين أول بأول فإن أول ما
سينعكس ذلك على الشركات العالمية الراغبة بإعادة بناء ما فقده العراق
أثناء الحرب الأخيرة وذلك بسبب عدم توفر حالة الأمن داخل البلاد وتقول
الأخبار أن شركات أجنبية بما فيها شركات أمريكية بدرجة خاصة تدرس حالياً
خطورة العمل في ظل الظروف الحالية بالعراق، هذا بوقت أظهر استطلاع حديث
أجرته شبكة (CNN) : (أن 50% من الأمريكيين غير موافقين على الطريقة
التي تقود بها بلادهم الحرب في العراق).
لقد أصبح العراق الآن على طرفي نقيض من ناحية
مدى تفاعل المواطنين العرب مع المحنة الحالية التي يعيشها الشعب
العراقي الآن نتيجة لحالة شبه الانفلات الأمني التي تمر بها البلاد
راهناً وبالذات في العاصمة بغداد وهذا يستدعي العراقيين المعنيين في
مجلس الحكم الانتقالي أكثر من غيرهم إلى ضرورة توجيه اللوم إلى قوى
التحالف الأنكلو – أمريكية التي أخذت على عاتقها مهمة استتباب الأمن
الداخلي في العراق خصوصاً وأن قوى التحالف بدأت تدرك تماماً أنها
مستعدة أن تكون في الجانب الذي تحترم فيه بعض الخصوصيات الدينية
والاجتماعية في العراق كعدم تعكير ممارسة الشعائر الدينية بالعراق
واحترام قدسية شهر رمضان حيث أمرت قيادة قوات التحالف جنودها بضرورة
الالتزام الكلي بذلك فلماذا إذن لا يتم التنسيق الأوسع ليشمل اتخاذ
الإجراءات الذكية المناسبة التي تكفل محاصرة أولئك الصداميين
الإرهابيين بفرعيهم أولاً الصداميون من حملة الجنسية العراقية، وثانياً
من الأعراب المرتزقة الذين اختاروا الاصطفاف مع صدام وخططه الإجرامية
ضد الشعب العراقي الذي يسمونه غير جادين بـ(الشعب الشقيق).
لقد سقطت تماثيل صدام في بغداد وغيرها من المدن
وسقطت هيبته التي حصل عليها جراء ترهيب أهل العراق لما جعل من ا لعراق
مشروع مصيدة لأحرار العراق في بلدهم حتى يمكن القول ما من جهة سياسية
أو أفراد سياسيون مستقلون إلا وطالهم الظلم الصدامي بطريقة وأخرى.
إن العراق اليوم ومن خلال امتلاكه للثروات
النفطية الهائلة ومركزه الجغرافي الممتاز ولشعبه الملايين يعد أهم محور
يتمتع بالتأثير الشامل على الأوضاع الدولية وهذا ما ينبغي أن يدافع قوى
التحالف الأنلكو – أمريكية إلى التزام أكثر لضمان حقوق الشعب العراقي
في حياة آمنه وتمتع كامل بالسيادة على البلاد في ظل حكم مستقل. |