الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السّلام على
أشرف الأنبياء و المرسلين محمد وعلى آله الطيبين
الطاهرين.
تحدث سماحة العلامة السيد طاهر الشميمي حفظه
الله عن الإستعداد لشهر رمضان المبارك ،
فبدأ بخطبة الرسول الأعظم (ص) التي قال فيها
: أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله
بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله
أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه
أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر
دعيتم فيه الى ضيافة الله، وجعلتم فيه من
أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم
فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه
مستجاب.فسلوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب
طاهرة ان يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فإن
الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر
العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم
القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم
ومساكينكم ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا
أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما
لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع اليه
اسماعكم وتحننوا على أيتام الناس
يتحنن على أيتامكم، وتوبوا الى الله من
ذنوبكم. وارفعوا اليه أيديكم بالدعاء في
أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات ينظر
الله عزوجل فيها بالرحمة الى عباده، يجيبهم اذا ناجوه، ويلبيهم
اذا نادوه ويستجيب لهم اذا دعوه.
أيها الناس ان أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها
باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم
فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا ان الله
تعالى ذكره أقسم بعزته ان لا يعذب المصلين
والساجدين، وان لا يروعهم بالنار يوم يقوم
الناس لرب العالمين.
أيها الناس من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا
الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة،
ومغفرة لما مضى من ذنوبه، قيل: يا رسول الله!
وليس كلنا يقدر على ذلك، فقال عليه السلام:
اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار، ولو بشربة من ماء.
أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان
له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الأقدام،
ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه، خفف الله عليه حسابه، ومن كف
فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه
الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله
برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه
رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من
النار، ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى
سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من
الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلافيه آية
من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في
غيره من الشهور.
أيها الناس! إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة،
فسلوا ربكم ان لا يغلقها عليكم، وأبواب
النيران مغلقة فسلوا ربكم ان لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة
فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.
قال أمير المؤمنين عليه السلام فقمت فقلت: يا
رسول الله؛ ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
فقال: يا أبا الحسن؛ أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله
عزوجل.
وبين أن الشقي حقاً هو الذي يحرم في هذا الشهر
الكريم من مغفرة الله سبحانه و تعالى ، فلا
يُطلق الشقي على من حُرم المال أو العلم أو غيره ، و إنما انحصر
معنى الشقاء في مجموعة تحرم غفران الله في شهر رمضان ، فمن حُرم
غفران الله تعالى في شهر شعبان أو غيره من
الشهور يُعتبر شقياً و لكنّه بمستوىً أقل من
الحرمان في شهر رمضان المبارك ، و ذلك لأن الله سبحانه و تعالى يضاعف
الأعمال في شهر رمضان سبعين مرة ، فمن ضوعفت
أعماله و حسناته و بقي محروماً من الغفران
فإنه شقي فعلاً .
لذا يتوجب على الإنسان أن ينتهز هذه الفرصة لنيل
رضا الله تعالى و مضاعفة حسناته و الإجتهاد
في العبادة ، و الورع عن محارم الله .
ثم تحدث العلامة الشميمي عن الورع عنم محارم
الله فقال : سأل الإمام علي (ع) رسول الله
(ص) : يا رسول الله أي الأعمال أفضل في شهر
رمضان ؟ قال (ص) الورع عن محارم الله .
في واقعنا المعاصر قد نهتّم بقراءة القرآن و
الإكثار من الأدعية و المستحبات ، و حضور
مجالس الوعظ و الإرشاد خاصة في شهر رمضان
رغم كونها مستحبة بينما نغفل الجانب الأهم و
هو الورع عن محارم الله تعالى ، رغم كونه واجباً ، و لما يحويه
من مفرداتٍ و معانٍ عظيمة ، كذلك و بالنظر إلى سائر الواجبات
نراها قد تسقط عن البعض لبعض الأعذار ، كما
يسقط الصوم عن المريض و المسافر و غيرهما ، بينما
الورع عن محارم الله واجب عينيّ على كل مسلم ، و أنه لا يسقط
بأي حالٍ من الأحوال .
و نحن ننتظر حلول شهر رمضان المبارك ، شهر
الرحمة و الغفران ، علينا أن نتهيأ و نهيئ
أنفسنا على الطاعة .
الصوم
قسّم علماء الأخلاق الصوم لثلاثة أقسام من
النواحي النفسية و الأخلاقية و التربوية :
1- صيام عام : هو الإمساك عن المفطرات من الفجر
و حتى الغروب، و هذا هو المفهوم العام للصوم
.
2- صيام خاص : و هو أكثر أهمية من الصيام العام
و تعريفه : هو الإبتعاد عن كافة المحرمات .و
هو نوع من الورع عن محارم الله .
3- صيام خاص خاص : هو صيام النفس و الخيال و
الذهن و القلب عن التفكير في المعاصي ، و هو
أعلى المراتب ايماناً .
الإبتعاد عن المحرمات قد يستلزم خطوتين :
1- معرفة المحرمات
يستلزم على الإنسان إذا أراد الإمتناع عن
المحرمات أن يكون عارفاً بحرمتها ، وهذه المعرفة أصبحت أكثر
سهولة من قبل ، فالرسائل العملية تشمل بعض الأبواب
الخاصة لسرد مجموعة المكاسب و المعاملات المحرمة ، إلاّ أننا قد
نجهل الكثير منها لأن التركيز غالباً يكون
على المفطرات التسعة في شهر رمضان ، و نغفل عن
الأمور الأخرى المحرّمة .
2- إثبات الحرمة
فئة كبيرة من المجتمع يحتاج لإثبات و لديل
للحرمة ، فلايكتفي بمعرفة الحكم ، فمثلاً أن
الغناء حرام ، يحتاج لدليل شرعي و إثبات فبذكر الحديث الوارد عن رسول
الله (ص) : إن بيتاً يُعصى الله فيه بالغناء لايؤمن أن تحلّ فيه
الفجيعة ، و لا تدخله الملائكة و لا يستجاب
فيه الدعاء ، و عن الإمام الصادق (ع) : الغناء
ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ، فهذا الشاهد له
وقع أكبر في نفوس مستمعي الغناء .
كذلك في الحديث عن الغيبة يلزم ذكر حديث عن رسول
اله (ص) : الغيبة كأكل الميتة تربية النفس
يحتاج الإنسان لأن يربي نفسه على الإلتزام بالآداب الإسلامية و
اجتناب المحرمات، فالبصوم العام يربي الإنسان نفسه على تحمّل الجوع و
العطش و الإبتعاد عن الغرائز الجنسية و بعض
الأمور الأخرى ، أمّا في الصوم الخاص فإن الإنسان يربي
نفسه على أمور أكثر و أصعب كالإبتعاد عن الغيبة و النميمة و
الكذب و الغناء و
غيرها ، خاصة بما يلاقيه الإنسان من مشاق و
متعاب و أهمّ المتاعب : ( النفس ، الدنيا،
الشيطان، الهوى ) لذا يحتاج لجهد و نية صادقة .
بالنسبة للصوم خاص خاص فإنه أعلى مراتب الصوم
مكانة ، لأن فيه امتناع عن التفكير في
المعاصي ، و هذه تحتاج لرغبة صادقة و عزيمة قوية فلا يستطيع أحد أن
ينهى أحداً عن التفكير في المعاصي ، و إنما يمنع الإنسان نفسه .
علينا أن نربي أنفسنا و مجتمعنا نحو الصيام خاص
الخاص ، و أن نتنافس في تطبيقه، و هو ليس بالأمر المستحيل ، فلو كان
مستحيلاً لما صار .
فالإنسان قادر على أن يروّض الحيوان المفترس
السام الذي لا عقل له ، أليس بقادرٍ على أن
يغيّر نفسه ؟!
فعلينا أن ننتهز هذه الفرصة المباركة في تغيير
ذواتنا و تربية أجيالنا ، على الإلتزام
بتعاليم الدين الحنيف و الإبتعاد عن المعاصي بل و حتى في التفكير فيها..
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيامه و قيامه في
لياليه و أيامه ، و أن يعيننا على طاعته
و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين. |