عملية التواصل بين بني الإنسان قاعدتها
الفطرة فقد خلق الإنسان اجتماعياً في
توجهاته مع محيطه فهو في الصغر لصيق مع أمه
وأبيه وفي أول عمر صباه يوزع علاقاته
البريئة مع أقرانه ثم لتشذب مجمل علاقاته في
غمر الوعي بما تطلبه منه الحياة من أدوار
يؤديها في خدمة نفسه ومجتمع ووطنه مستنداً
إلى عدد من الأفكار والمنطلقات التي تؤكد
آدميته وسماحته في تأسيس أفضل الروابط الاجتماعية
ضمن مسيرة طموحاته الحياتية منذ فجر
التاريخ وحتى الآن نشط الإنسان في تقديم فاعليات ومنتقلاً من شوط أدنى
إلى شوط أعلى في مسيرة لحياة رغم أن المنغصات دوماً تشكّل عائقاً لوقف
تلك المسيرة تحسباً من أن ينتصر الشر على الخير فيها الواضحان النهج
ولقد كان تدفق التواصل من شخص لآخر ومن جيل إلى آخر مدعاة للاطلاع على
الكثير مما كان يجول في الخاطر البشري وكان كل مجتمع يعيش حالة من
التوقع لطرح مستجدات فكرية ومفاهيم تنظم الشأن الحياتي بكل جوانبه.
ولعل الشوط الفكري الطويل بما يخص (الأفكار الوضعية) امتاز بطول الأناة
لكن التنوع في اعتناق الأفكار الجديدة كان يدفع بالبعض أن يتخذوا مواقف
ندية من الآخرين تصل لحدود إلغاء الآخر.
ولما كانت مدرسة التواصل المعلوماتي بين البشر
حالة تفرضها الضرورات؟؟؟ فإن الاحتكاكات الفكرية قد تمخضت إلى خلق حالة
التفاعل بين الأفكار وكان الحوار دوماً يمثل انطلاقة ناجحة لمعرفة
الحقيقة عند كل باحث عنها، حتى إذا ما جاءت الثورة المعلوماتية الحديثة
حيث نقل الحدث بالصورة والصوت مباشرة من أقاصي الأرض إلى أقاصيها عبر
الشاشات التلفزيونية الصغيرة تغيّرت النظرة قليلاً في نوع تأملها إلى
عوالم كان الاطلاع عليها بهذا اليسر يعتبر من المعجزات التي لم يرد
بعضها حتى في مخيلة مفكري الخيال العلمي.
والعالم اليوم مستيقظ على فترة تحولات هائلة
وسريعة في كل شيء والتقنيات العلمية تحمل في بواطنها ما يجعلها تكون
وكأن لا نهاية للفكر العلمي الذي حقق الكثير من منجزاته لخدمة البشرية
وبقي الأكثر القادم من نتاجاته فبمراجعة بسيطة لما كان عليه حال
الأفكار القديمة إذا جاز التعبير بذلك التي كانت سائدة قبل زهاء (50)
سنة لا أكثر تبين الفارق العظيم الذي قطعته المسيرة العلمية بما قدمته
من شيوع مسألة التواصل السهل بين الناس أينما كانوا على وجه البسيطة،
والعالم اليوم مقبل على عملية مراجعة الكتب التعليمية بتناول ينبغي أن
يكون أكثر نزاهة لتبيان خطوط التاريخ السياسي وغير السياسي إذ يعلم
الجميع أن السياسة المعاصرة تقف بحزم وبلا انقطاع لتحريك الأفكار
المنوعة نحو ناصية التواصل لما ترتئيه في خططها.
ومع ضرورة عدم النسيان أن الصدفة وحدها لعبت
دوراً في إلغاء العديد من الأفكار القديمة التي كانت المجتمعات العربية
والإسلامية تتداولها قد أصبحت في حكم الماضي كالأفكار الماركسية
والوجودية وغيرهما إلا أن سيطرة بقايا بعض الأنظمة في بلدانها على مبدأ
فرض علاقات الإذعان للمجتمعات كي تكون خاضعة للقوة هي مسألة تعيش اليوم
أنفاسها الأخيرة فـ (حكومة الغد) كما يتخيلها العقلاء سوف لن تكون على
أية حال (حكومة خانعة) لقوة غاشمة بعد أن خبّرت المجتمعات تجاربها
المريرة مع العديد من الحكومات التي سحقت شعوبها باسم تطبيقات
الديمقراطية المزيفة والحرية الموهومة.
وبلا أي شك فإن عالم اليوم زاخر بالأفكار من حيث
تعدادها لكن الآمنين بها لا يشكلون نسب عالية في مجتمعاتهم بعد أن غامر
العديد من القائمين على الأفكار الوضعية في محاولة إنجاح الشكل على
المضمون فخسر بعضها حتى من الإمكان للمحافظة على الشكل، فمثلاً إن
الأفكار السياسية بعموم المنطقة العربية والإسلامية تتجه على وجه
العموم نحو لجم أي عملية نشر أفكار تصاحبها عنف وهذا شيء حسن لكن ما
ينبغي الانتباه الشديد له أن لا يكون ذلك مسبباً لأي انحراف عن مبدأ
نشر العدالة في كل مجتمع كهدف طبيعي مقبل ضمن استراتيجية إنسانية حقة. |