عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): وأما حق
ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنك
مسؤول عما وليته به حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل، والمعونة له
على طاعته، فأعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه،
معاقب على الإساءة إليه..).
الزواج المقدس، تلك العلاقة الروحية والمادية
الرهيفة التي تجمع الزوجين في بيت السعادة والمحبة والألفة ثمرتها هي
الأولاد، فهم بهجة القلوب ونور العيون وفلذ الأكباد هم السرور في البيت،
هم المرح والنشاط والحيوية، هم من يملئون البيت ويبعدون وحشة الإنفراد،
هم البراءة والعصمة، هم الأمل والسند في الأيام الحالكة، ولكن... ما
أصعب أن يتحول هذا الولد الودود والطفل البريء إلى وحش كاسر يحرق ما
حوله، ويفترس حتى أقربائه، هذا الولد الذي كان بالأمس موئل الوالدين
ومحط أنظارهم والأمل السعيد والمدخر لأيام الشدة والكبر تراه اليوم وقد
اشتد عوده أتعس الناس به والداه وأشدهم إيلاماً به أهله.
تُرى ما هو السبب؟ أجل إنه التربية الفاشلة.
فالبعض منا يعتقد بأن مهمة الوالدين هو تأمين
المأكل والملبس والمسكن الفاره فقط ناسياً الجانب الروحي والأهم في
الإنسان، تراه مع كثرة كده وجهده المتواصل لتأمين ذلك لأولاده لكنه في
الأخير يرى ما لا يسره، فالخطأ ليس على الأطفال وحدهم، بل هو على
الوالدين أيضاً، فلو صرفا بعض الوقت للاهتمام بأطفالهم من الناحية
الإنسانية والأخلاقية والدينية لما رأى ما رأى، على أنه في هذا الوقت
العصيب من الزمن وانتشار الإنحلال الأخلاقي والتوجه المادي الشديد يلزم
على الوالدين الجهاد المتواصل إلى آخر الحياة في سبيل تربية أبنائهم
وتغذيتهم الإيمانية والعقلية لأنه في أقل فرصة عدم اهتمام ولا مبالاة
يضيع الأولاد، فكم من أسر شريفة وكريمة قد أنهارت وباتت أبنائها من
أميع الناس خُلقاً وأسوء حالاً.
وهذا ما نبه إليه الإمام زين العابدين (عليه
السلام) في كلامه السابق وصرح بمسؤولية الوالدين في تربية الطفل،
واعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً
يستوجب الأجر والثواب والتقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب.
ومما ينبغي أن يوجه الطفل إليه هو الصدق –
وتربيته على الصدق والوفاء بالعهد والصدق من الصفات الحميدة التي تنسجم
مع الطبيعة الإنسانية، حيث كل إنسان يميل بفطرته إلى الصدق ويعتبر أن
الكلام الذي يسمعه من الآخرين صادقاً، فالكذب انحراف عن صراط الفطرة
المستقيم، فعن الإمام الحسن العسكري (ع) قال: حُطّت الخبائث في بيت،
وجُعِلَ مفتاحه الكذب) فالكذب إحدى النقائص التي لا يخفى قبحها، فهو
الذي يجرّ وراءه سلسلة من الرذائل الأُخَر ويفتح باباً على الجرائم
الباقية.
فالعجز عن الوقاية من انتشار هذه الصفة، والضعف
عن مقاومتها يعني الدمار وهو جريمة لا تغتفر، ولا نسلم من نارها.
مع العلم بكل مساؤى الكذب، وأنه عندما يكذب
الآباء يرثه الأبناء، لكننا نمارس الكذب بالسليقة، بل حتى إننا نعتبره
طبيعة بشرية، أو هناك من يستندون في مشروعية كذبهم لعلبة ألوان!!
فيجعلون للكذب ألواناً عديدة، فمن الشايع قول الناس: هذه كذبة بيضاء لن
تضر أحداً مستلاً اللون تلو الآخر فهذه كذبة بيضاء أو وردية وتلك
رمادية والأخرى سوداء، وإن كثيراً ما نكذب للتخلص من وجع الرأس
والمشاكل أو للتراضي بين الناس وتأليف القلوب، فإنما نحن نخلق مشكلة،
بأن يتحول الكذب المحترم لسلوك اعتيادي لدى المستندين لمشروعيته
البديهية، فتختل القيم وتتهاوى النظم وتنحل الحدود الفاصلة بين الكذب
والحقيقة.
ودراسة بريطانية آنية تقول: يكذب ما معدّله
ثماني مرات في اليوم الواحد، والأمر والرقم يبدوان طبيعيان، خذ عندك
مثلاً لو تأخرت عن توقيع اسمك بالعمل وكاد مديرك أن يبدأ بتوبيخك، لن
تقول له بالطبع أنك كسول تحب النوم والبارحة سهرت في حقل أصدقاء، بل
ستتظاهر أنك ذاك الموظف المطحون والذي أخرته الباصات التي لا مواعيد
لها كما هو حال العالم المتمدن.
ولو وعدت صديقاً بالزيارة أو الاتصال ولم تفعل،
تتعذر باجتماع حشرك به مديرك وكثرة مشاكلك وأعمالك، في حين أنه في
حقيقة الأمر أنت نسيت، فالأمر ليس بذي مصلحة وأنت كل ما تهمك مصلحتك،
ولن تتذكر غيرها.. وهكذا حتى تنتهي حياتك من هذه الدنيا وأنت تكذب بلا
كلل أو ملل.
والدراسة البريطانية تؤكد بالقطع أن وتيرة الكذب
من طر على آخر تتزايد أو تتناقص، تبعاً لدرجة عمق أو سطحية العلاقة
بينهما، فلو كان الواحد كذب على صاحبه مرة بالشهر، فهو لا يراه إلا
نادراً – بيد أنها – الكذبات – مرشحة لأن تتزايد بين إثنين يلتقيان كل
يوم أو ثلاث مرات في الأسبوع، وهذا بالكثير يحصل بين الأزواج.
وهنا بيت القصيد، فالعلاقة اليومية بين زوجين
كثيفة وعميقة، لحد يجعلها عرضة لكذب أحد الطرفين على الآخر، والكذب
بالحياة الزوجية يتوقف على شخصية الواحد منهما، ومدى التفهم والتفاهم
بينهما والثقة وقوة العلاقة بينهما أو ضعفها، وطريقتهما في تسيير
حياتهما الزوجية، ومدى تدخل المحيطين بهما بتفاصيل حياتهما، كما للظروف
المحيطة بهما دور جدّ فاعل...
فإذا كان هذا عمل الأسرة والأبوين فما الذي
ننتظره من الطفل؟
إذن يجب أن لا نتساهل في الأمر والبحث عن
الأسباب لحلها، فمن أهم واجبات الوالدين في تربية الطفل هو تنمية فطرة
الصدق المودعة عنده. فعلى الوالدين أن يسلكا في محيط الأسرة سلوكاً
يجعل الأطفال يعتادون على الصدق والاستقادمة، ولا ينحرفون إلى طريق
الكذب والدجل، وهذا الأمر أصعب من بقية الصفات، وللوصول إلى هذه الغاية
لا بد من إتباع كثير من الرقابات العلمية والعملية: والوقائية خير من
العلاج دائماً.
وفي حديث أن ترك الكذب داعياً إلى ترك بقية
المعاصي.
قال رجل لرسول الله (ص) يا رسول الله دلني على
عمل أتقرب به إلى الله تعالى، فقال: لا تكذب، فكان ذلك سبباً لاجتنابه
كل معصية لله لأنه لم يقصد وجهاً من وجوه المعاصي إلا وجد فيه كذباً،
أو ما يدعو إلى الكذب، فزال عنه ذلك الوجوه من المعاصي.
وكذلك الأطفال فإذا ما تربوا تربية صادقة وحكيمة
فلا بد أن الصدق منجيه. |