كل واحد منا يتحمل الأعباء الثقيلة وأنواع
المشقات في سبيل الوصول إلى رغبة عارمة في داخل النفس البشري وهي
السعادة ولكل منا تفسيره للسعادة فالعاشقون سعادتهم بالوصول إلى
المعشوق والعارفون سعادتهم بالمناجاة في رياض الحب الأبدي وحدائق
الرضوان الخالدة في ظل الحب الأعظم لله جل جلاله. والماديون سعادتهم
بالحصول على المال والجاه والشهرة والبعض سعادتهم بالزواج وتكوين
الأسرة.
ولكن هل السعادة شعور دائم أم أنه شعور مؤقت
والى زوال؟
كل الذين تحدثوا عن السعادة أكدوا أنها تزول مع
زوال كل لذة ومع تفرق كل جماعة ومع رحيل من تحب، إنها السعادة التي لم
يفلح الفلاسفة والشعراء في تعريفها وحل الغموض الذي يكتنفها، والتي
تحتاج دائماً إلى شعاع من نور صادر من قلب إنسان محب في محاولة
لاستكناه معناه وسرّها.
فاللاتينيون يرون السعادة مثل ثروة عظيمة لا
يمكنهم تعويضها إذا فقدت منهم، كذلك نظر سقراط إلى السعادة على اعتبار
أنها هبة من الخالق مماثلة للفضيلة، وعلماء عصر التنوير في القرن
الثامن عشر قاموا بتطوير مفهوم السعادة وربط السعادة الاجتماعية
بالسعادة الشخصية حيث تتطلب سعادة الإنسان الشخصية حياة اجتماعية تتسم
بالعطاء والانتماء إلى جماعة متعاونة ومحبة.
وعالم الاجتماع جان أنطوان كوندراسا ربط بين
السعادة والتقدم البشري، موضحاً أن الإنسان يشعر بالسعادة من خلال
عمليات التقدم.
أما السعادة الزوجية فبالشريك المتماثل – حيث
تقول دراسة حديثة أن غالبية الرجال والسيدات يبحثون عن شريك حياة
يتلائم معهم بدرجة أكبر من حيث الخصائص والصفات التي تشمل الدخل ونسبة
الجمال أو الوسامة والرغبة في إنجاب الأطفال، وتتلاءم بعض زيجات
المشاهير مع هذا النموذج.
ويقول (سيتفن املين) أستاذ السلوك والبيئة
بجامعة كورنيل، الذي أجرى الدراسة بالاشتراك مع (بيتر بوسطن) بجامعة
كاليفورنيا، إن الدراسة الجديدة تفيد النظرة التقليدية السابقة عن
الزواج والبحث عن شريك الحياة، تفيد الدراسة الجديدة بأن غالبية
السيدات والرجال في المجتمع الغربي يبحثون عن شركاء حياة ذوي خصائص
تتوافق مع خصائصهم فالرجال الجذابون مثلاً يميلون إلى البحث عن السيدات
الجميلات الشابات ذوات المظهر الحسن وليس الغنيات مادياً، والأثرياء من
الرجال يحتمل أن يبحثوا عن الغنيات أكثر من الجميلات الجذابات.
ومن الناحية التطورية اقتران الأفراد المتماثلين
في الصفات له فوائد أكبر، لأن هذه الزيجات تكون أكثر استقراراً، إضافة
إلى أن هذا النوع من الارتباط يكون مفيداً لأن البشر يميلون إلى تفضيل
العلاقات المستقرة طويلة المدى من أجل إنجاب الأطفال وضمان صحة وحياة
جيدة للذرية.
نحن لا نحجر الآراء والاتجاهات ونترك وتفسر
السعادة حسب الرغبات والميول ولكن علينا أن نبحث عن السعادة بما رسمته
لنا الشريعة الإسلامية من تعاليم وقيم رفيعة وسامية تضمن للإنسان
السعادة في الحياة الدنيا وكذلك في الآخرة والسعادة الحقيقية منشئها لا
محدود، لأنها من قبل إله الكون وخالق الوجود تلك السعادة التي ما أن
وضعتها في أي شيء حتى تكتسب صفة الخلود والأبدية لأن حركات الإنسان
وسكناته إذا كانت ناشئة عن رغبة في الوصول إلى ما عنده تعالى وتحصيل
منحه ونعمه، حتماً هو قادر على أن يسعده سعادة لا غاية لها بعطاءه
اللامحدود وكرمه اللامتناهي.
وإليك مقاطع من دعاء الإمام زين العابدين (عليه
السلام) الذي يدلنا على طرق السعادة الواسعة والعطاء السرمدي
(إلهي كسري لا يجبره إلا لطفك وحنانك، وفقري لا
يغنيه إلا عطفك وإحسانك، وروعتي لا يسكنها إلا أمانك، وذلتي لا يعزها
إلا سلطانك، وأمنيتي لا يبلغنيها إلا فضلك وخلتي لا يسدها إلا طولك،
وحاجتي لا يقضيها غيرك). |