استعرض تقرير اقتصادي حاجة الولايات المتحدة
للنفط، والبدائل المتاحة للخروج من الأزمات الدورية التي يعاني منها
اقتصادها، فخلال ثلاثين عام الماضية حاول سبعة رؤساء أمريكيين تخفيض
اعتماد بلادهم على واردات النفط، إلا أن محاولاتهم جميعاً لم تنجح رغم
اتفاقهم على أهمية السياسية والاقتصادية والاستراتيجية للنفط، وكان
نيكسون تعهد عام 1973، أثر ارتفاع الكبير في أسعار النفط الذي صاحب حرب
تشرين بتخفيض واردات النفط بعد أن بلغت 40% من إجمالي الاستهلاك بل
الذي حدث العكس إذ ارتفعت هذه النسبة تدريجياً حتى بلغت 60% عام 2003م
ففي الوقت الحالي يستهلك الأمريكيون 19.5 مليون برميل من النفط يومياً،
ومن بينها 11.5 مليون برميل يتم استيرادها ويذكر أن ارتفاع أسعار النفط
يؤدي إلى زيادة كبيرة في تكاليف الإنتاج في مختلف القطاعات الاقتصادية
الأمريكية، وبدوره يؤدي إلى زيادة أسعار المنتجات الأمريكية وحكماً ضعف
قدرتها التنافسية سواء في الأسواق الداخلية أو الخارجية ويلاحظ أن كل
دورات الكساد التي مر بها الاقتصاد الأمريكي منذ عام 1973م ارتبط
بارتفاع أسعار النفط فالمواطن الأمريكي يشعر بوطأة ارتفاع أسعار النفط
فالسيارات والشاحنات تستهلك نصف ما تحصل عليه الولايات المتحدة من
النفط، كما أن انخفاض الضرائب على النفط مقارنة بأوربا واليابان يشجع
الأمريكيين الاعتماد أكثر على السيارات الأمر الذي يولد ضغوطاً سياسية
واجتماعية كبيرة على أي إدارة أمريكية.
والمشكلة الأخرى أن نصف واردات الولايات المتحدة
من النفط تأتي من الدول الأعضاء بمنظمة الأوبك الأمر ا لذي يجعل
استقرار الاقتصاد الأمريكي عرضة للأوضاع والأزمات السياسية في البلدان
المنتجة للنفط ويعتبر الشرق الأوسط تمتلك ثلثي الاحتياطي العالمي من
النفط.
الأمر الذي دفع السياسيين الأمريكيين بالبحث عن
بدائل ممكنة.
أول هذه البدائل زيادة الضرائب على وقود
السيارات (كما فعلت اليابان وأوربا) وبالحال سيؤدي إلى حالة غضب وسخط
بين المواطنين، وزيادة في تكاليف الإنتاج وكان هذا البديلا مرفوضاً ولا
يزال مرفوضاً من قبل من تعاقبوا على الحكم في البيت الأبيض.
البديل الثاني استخراج النفط من منطقة محمية
الطبيعية (الأسكا) التي تحتوي على احتياطات نفطية لكن تكلفة استخراجه
مرتفعة، كما أن جماعات حماية البيئة تقاتل بعنف لمنع تدمير الحياة
البرية الفريدة في الإسكا لاستخراج النفط.
على الرغم أن الرئيس بوش حاول إقناع الرأي العام
بمحاولة البحث عن صيغة تحمي المحمية الطبيعية وتمكن من استخراج النفط
وهناك اتجاه ثالث.
تشجع الإدارة الأمريكية تشجيع أبحاث إنتاج
الطاقة الهيدروجينية لتقليل الاعتماد على النفط والغاز وخصص بوش 1.7
مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة للأبحاث الخاصة بإنتاج سيارات
وشاحنات تسير بالطاقة الهيدروجينية وهذا التحول يتطلب تخفيض تكلفتها
التي تبلغ أربعة أمثال تكلفة الطاقة المولدة من النفط كما يتطلب تحويل
محطات الوقود التقليدية إلى محطات هيدروجينية، وهي عملياً ستكلف مبالغ
طائلة هذا بفرض نجاح العلماء الأمريكيين هذا داخلياً.
أما عن البدائل المتاحة خارجياً فهي أكثر تعقيداً
من أهم ما تطرحه الإدارة الأمريكية الاعتماد على النفط الروسي والذي
تحتل المركز الثاني في قائمة الدول المصدرة للنفط بعد السعودية ولديها
احتياطات كبيرة منه في سيبريا.
وكان المسؤولون الأمريكيون يرفضون من قبل فكرة
الاعتماد على النفط الروسي خشية وصول شيوعيون أو قوميون متشددين إلى
الحكم في روسيا، الأمر الذي يعرض المصالح الأمريكية للخطر وفي الوقت
الحالي تولي واشنطن اهتماماً خاصاً للنفط الأفريقي إذ تستورد كميات من
أنجولا ونيجيريا، كما تستعد لبدء الحصول على النفط من تشاد عبر خط
أنابيب لربط حقول النفط التشادية بموانى التصدير في الكاميرون.
وهناك أيضاً نفط بحر قزوين بما يحمله من ثروات
نفطية، لكن المشكلة مرتبطة بأوضاع بالغة التعقيد في منطقة وسط آسيا،
ويتطلب الحصول على النفط مد أنابيب جنوباً، عبر إيران، أو باكستان أو
أفغانستان أو غرباً، عبر تركيا وروسيا، الأمر الذي يضع ضغوطاً أمنية
واستراتيجية كبيرة على الإدارة الأمريكية ويزيد من اعتمادها على مناطق
قريبة من نفوذ روسيا وأخيراً تبقى حقائق هامة مرتبطة بنظرة أي إدارة
أمريكية إلى ملف النفط.
لن تستطيع واشنطن الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط
وهو الأرخص سعراً والأسهل استخراجاً فهو الأقدر على المنافسة.
أن الولايات المتحدة لا تمتلك أكثر من 2% من
احتياطات العالم للنفط في الوقت الذي تستورد فيه 25% من صادرات العالم.
وستبقى المشكلة التي يواجهها كل رئيس أمريكي هو
كيفية التعامل مع حاجة بلاده للنفط وكيفية الاختيار من بين بدائل يرتبط
بكل منها مشكلات بالغة التعقيد. |