من الإيمان ان يحب المرء وطنه, ومن الإيمان ان
يدافع المرء عن وطنه, والاستشهاد دونه يساوق
الاستشهاد دون الدين والعرض والمال, اذا كان ضياع الوطن
يؤدي الى ضياع المسلمات الثلاث التى اهريقت دونها الدماء على مر
التاريخ.
بيد ان هذا الحب لا ينبغي ان يكون مدعاة لضياع
حقوق آخرين او سحق لحريات وحقوق قطاعات من
البشرية تعيش في الوطن او حتى الراغبة في العيش فيه او اللجوء اليه
لظروف طوعية او قهرية.
ولا نعدم طبقات من الناس تغالي في الحديث
المأثور عن النبي الاكرم محمد صلى الله عليه
واله وسلم فترفع شعار الوطن لاهله فقط من قبيل (ايران للايرانيين)
أو (العراق
للعراقيين) ظنا منها ان هذا الشعار وامثاله هو مصداق للحديث المأثور,
فالاصلاحيون في ايران على سبيل المثال رفعوا شعار (ايران
للايرانيين) في محاولة لكسب مزيد من اصوات
الايرانيين في الانتخابات البرلمانية وتعزيز موقف الرئيس
خاتمي في الانتخابات الرئاسية , وكان من مظاهر هذا الشعار هو
العمل بقوانين تمنع العراقي والافغاني
اللاجئ في ايران منذ عقدين من الزمن من حق العمل
والتملك والزواج.
واليوم نجد بعض قطاعات العراقيين وكرد فعل على
السياسة المناطقية والعنصرية والطائفية
للنظام السابق تردد في المحافل العامة شعار (العراق للعراقيين) بصورة
توحي بالعفوية وحب الوطن والمواطن ، وتعلن في المحافل الخاصة
دون رادع او وجل عن نيتها لتطهير العراق من
كل الجنسيات العربية والاسلامية المقيمة واللاجئة في
العراق خلافا للأعراف الاسلامية والإنسانية وحتى أخلاق الضيافة.
قد لا يدرك البعض خطورة مثل هذا التوجه الناعم
الملمس , ولكن في تجربة ايران مع غير
الايرانيين ربما يكون عامل مساعد على الحد من هذا التوجه ، وخاصة عند
اولئك الذين تضرروا بصورة مباشرة من هذه
السياسة اثناء وجودهم في ايران او وجود من
يمت اليهم بعلاقة نسب او سبب او صداقة.
ويحضرني هنا ما شاهدته خلال وجودي في ايران من
مشهد طريف , ففي بداية الثورة الاسلامية
والحرب العراقية الايرانية لما تقع ، لفت نظري شعار كتب الى جدار
مجاور لمكتب حركة نهضة الحرية الايرانية التي كان يتزعمها رئيس
وزراء ايران المؤقت الراحل المهندس مهدي
بزركان والواقع في شارع مطهري (خيابان مطهرى) ، اذ
كتب على الجدار المطل على شارع مدّرس السريع (بزركراه حسن مدّرس)
عبارة لمؤسس الجمهورية الاسلامية السيد روح
الله الخميني تقول: (الوطنية خلاف الاسلام), في
محاولة للتعريض بحركة نهضة الحرية المتهمة من قبل قادة ايران
المحافظين بالوطنية الزائدة عن الحد
وبالعنصرية المتناقضة مع الاسلام.
ولكن حركة نهضة الحرية لم تقف مكتوفة الأيدى
امام هذا الاتهام المبطن بمخالفة الاسلام
وهي التي تعلن في ادبياتها عن اسلاميتها, فقد وضعت الى جانب الشعار،
الحديث المأثور (حب الوطن من الايمان) في محاولة منها للرد
السلمي بكلام خاتم الانبياء والمرسلين.
وبعد مدة من الزمن تم اغلاق مكتب الحركة من قبل
الشباب الاسلامي الذي رفض اي شعار او حركة
او حزب توحي ادبياته بالدعوة الى القومية والوطنية والانغلاق على
الذات , وظل الشعار والحديث على الحائط لفترة من الزمن حتى
ازيلا ضمن خطة البلدية لتزيين شوارع العاصمة
طهران.
ولكن شباب الامس الذين رفضوا توجهات حركة النهضة
انقلبوا على انفسهم ورفعوا شعار (ايران
للايرانيين) مدغدغين مشاعر الشباب العاطل عن العمل، رغم ان التوظيف
في الدوائر الحكومية الايرانية محظور على غير الايرانيين منذ
سنوات طويلة بنص القانون الايراني حتى وان
لم يرفع الاصلاحيون هذا الشعار, مع ملاحظة جد مهمة
وهي ان قانون حظر العمل والتملك على غير الايرانيين صدر قبل
سنوات قليلة اي في عهد سيطرة المحافظين على
مجلس الشورى الايراني، على ان الحظر على الأفغان يرجع
عهده الى بداية الثمانينات ، فيما بدأ تطبيقه على العراقيين مع
نهاية العام ألفين.
فهل من الحكمة ان يذهب البعض في العراق الى
اتخاذ شعار (العراق للعراقيين)؟ ربما يرفع
البعض مثل هذا الشعار كرد فعل على ما لاقاه في ايران من معاملة فظة
واصطدامه بالقوانين الايرانية , او كرد فعل على المعاملة الحسنة
للنظام السابق لغير العراقيين على حساب
العراقيين، او كرد فعل على مناصرة بعض الفعاليات
العربية والاسلامية للنظام السابق قبل سقوط بغداد في 9/4/2003
وما بعد السقوط.
ولكن كل هذا لا يكون ولا ينبغي ان يكون مدعاة او
مبررا لتداول مثل هذا الشعار في المحافل
العامة والخاصة ، لان الخسارة في تطبيقه افدح ، بل قد تصيب
العراقيين انفسهم ، وخاصة أولئك الذين تركوا العراق منذ عقدين
او اكثر وانجبوا ذرية ولا يملكون لهم ورقة
ثبوتية عراقية واحدة، الا اذا كان المراد بهذا
الشعار هو الجيل العراقي الذي
ولد في المهاجر او الذين ولدوا في ايران على وجه الخصوص،
او الذين ولدوا في العراق وابعدهم النظام السابق الى ايران
لشبهة الاصالة الايرانية او التبعية
الايرانية، فهذه من العنصرية الموغلة بالسوداوية التي
يرفضها الاسلام ويرفضها المنطق السليم وترفضها المدنيات
المتحضرة التي تستوعب كل الجنسيات لصالحها،
ولكم في بريطانيا نموذجا حيا حيث تعيش فيها جاليات من 123
جنسية متوطنة في بريطانيا بحكم القانون البريطاني المنفتح على
العالم، بل ويفتخر اهل لندن ان عاصمتهم
شهيرة بإسم (عاصمة الثقافات المختلفة) للخليط
الرائع من الجنسيات والنسيج الجميل من الهيئات البشرية.
ان حب الوطن يكون تمامه بحب المواطن والمقيم
واللاجئ , فلا يكون الفلسطيني المقيم
واللاجئ في العراق خائفا من السلطة البديلة، فيرمى في الشارع العام او
يضطر للهرب الى الاردن او سوريا , ولا يكون الايراني اللاجئ في
العراق مرعوبا من خطر الابعاد او التسليم ،
ولا يكون المصري او الاردني او السوداني عملة غير
مرغوب فيها، فأرض العراق وخيرات العراق تستوعب هؤلاء وغيرهم،
وحلم العراقيين وكرمهم وجودهم اكبر من
شعارات ظاهرها حلو تستبطن علقما.
alrayalakhar@hotmail.com |