أينما يلتفت المرء اليوم يجد أن هناك من حوله خبراً متداولاً بين
الأفراد حتى يمكن القول أن مواكبة الأخبار تكاد تصبح عادة شائعة لدى كل
مجتمع بسبب الدور الواسع الذي تلعب تقنية المعلومات والتجارة
الإلكترونية الميسورة التي تشهد اهتماماً باقتناء أجهزتها المنوعة سواء
المرئية أو المسموعة أو المقروءة.
ففي كل بلد توجد توجهات ثقافية متعددة وقسم فيها يتعارض بعضها مع
بعض من حيث درجة استيعابها أو اتخاذ الموقف منها وهذا ما عمل ويعمل على
زيادة التأثير المعلوماتي وانتشار المعلوماتية بنسب عالية بعد أن أصبحت
مسألة التصارع في الأفكار في خبر كان بعد استفراد الغرب في الساحة
الثقافية والإيديولوجية العالمية إذ أصبحت بعض الإيديولوجيات الوضيعة
ضمن التراث الثقافي لماضٍ لم يعد يتفاعل الناس على مداه كثيراً.
ومن زاوية نقدية تعد اليوم بعض الاتجاهات كأفكار يعتقد أنها فشلت
ولم تعد مناسبة لتطور العصر مما يقتضي عدم فبركة الخطاب الثقافي الجديد
وإعادة النظر لما كان عند الآخر أو ما يمكن أن يكون لديه وربما كان
للتوجه الاجتماعي العام نحو اتجاه الليبرالية الجديدة مسألة غير مدروسة
تماماً وبالذات في المجال السياسي الطاغي في هذه المرحلة على المجال
الثقافي والساحب من الجانب الإيديولوجي الكثير من حيويته، ولعل من
الظواهر الثقافية الملموسة في الساحة الفكرية مثلاً أن موضوع الحرية
الذي يفترض أن يكون قد اكتسب اعترافاً من حيث التمتع به دون قيود
مسؤولة هو الجار لكن ما لوحظ أن زيادة المعلومات التي يزق بها الناس
والتي تنبه لضرورة ممارسة الحرية المسؤولة لم تتعدى بعد أكثر من أمل لم
يظفر به بعد بسبب تغليب المصالح الضيقة في المجال السياسي المحلي
والدولي.
إن التكنولوجيا المعتمد اليوم على اقتناء إنتاجها من الأجهزة
الحديثة أصبحت مسألة ذات قيمة لمعرفة كل جديد أول بأول وهذه الحتمية في
الاعتماد على المعلومات المستحصلة عن طريق التكنولوجيا فيها من
الدينامية التي تتواشج مع الاهتمامات الاجتماعية بما لا يقبل الشك حيث
يلاحظ أن الوعي قد ازداد وفتوى الحوارات حول ما يجري في العالم قد
ارتفعت نسبته لكن تشذيبا لنوع هذا الوعي تبقى بمثابة سلاح ثقافي يفضل
أن يبرز رواد له فعملية التقدم الاجتماعي الحقيقي لا يمكن أن تحدث دون
وعي حقيقي.
إن الأهداف الإنسانية البحتة لا تثبتها إلا أرضية جيدة للاتصال، لقد
كافح المثقفون في شرق وغرب الكرة الأرضية حتى استطاعوا أن يكسروا كل
القيود التي فرضتها الرقابات الحكومية على الفكر الإنساني ونتاجاته لكن
كل الأطروحات وصلت إلى أقاصي الأرض بفضل الإصرار على نشر المعلومات
عنها حتى باتت الثورة المعلوماتية ذات امتدادات وصلت إلى كل بيت.
وقضية الاتصال المعلوماتي مع الآخر أمست منتشرة أيضاً بين بني
الإنسان وفتحت المجال واسعاً لتعارفات راسخة فيما بين الأفراد رغم بعد
المسافات بين وطن وآخر بفضل سعة شبكة المعلومات التي تكاد أن تكون من
ملكية كل راغب لامتلاكها أو معرفتها. لقد أضعفت المعلوماتية
التكنولوجية دور الرقباء السياسيين في العديد من البلدان ولم يعد
بمقدورهم ملاحقة الناس بما ينبغي أن يعرفوه بعد أن طغى التواصل
والاتصال على العلاقات بين الأشخاص بل وبين المجتمعات وبهذا المعنى
أصبح للحياة الإعلامية طعم آخر أكثر استساغة لدرجة يمكن القول أن حجب
المعلومة الحقيقية كقرار في حد ذاته لا يمكن العمل به طويلاً بسبب
صعوبة رقابة كل شيء يقال متداول إذ أن البرامج المعلوماتية تتوالى ليس
في نشر المعلوماتية بل وفي حفظها المصاحبة لمشاعية تداولها في أكثر
الأحيان حيث تتعزز كفاءة الأجهزة الإعلامية عبر التكنولوجيا لتكون في
متناول الأيدي. والبحث عن المعلومات مثلاً عبر شبكة الانترنيت أضحى من
الأمور اليسيرة لمن يريد أن يبحث لتثبت التأكد من معلوماته في المجالات
الراغب بمعرفتها وكذلك التوسع بنسبة تلك المعرفة سواء على خلفية إنجاز
عمل ما له أو لزيادة تثقيفه الذاتي في ذلك المجال.
إن العديد من البحوث والدراسات حول ثورة المعلومات في العالم قد
أنجزت وبعضها ما زال قيد الإنجاز وقرب النشر والانتشار وهذا الصعود
بالاهتمام المعلوماتية من حسن الحظ تتحكم فيه غايات ثقافية أكثر مما هي
رغبات شخصية ضيقة وهذه الظاهرة ممكن لمسها بشكل أكثر وضوحاً في
المؤسسات التي تتعامل مع المعلومة الجديدة أو المعلومة المهمة. وحقاً
فإن المجتمع البشري اليوم هو مجتمع المعلومات مع الاعتراف أن العديد في
بلدان العالم لم تطا بها بعد بصورة مركزة ثورة المعلوماتية وخصوصاً في
مناطق من قارة أفريقيا وآسيا إلا إن الفرصة السانحة لنشر المعلومات
فيها هي قاب قوسين أو أدنى بالنسبة لمجتمعاتها التي ستدخل حتماً مرحلة
مجتمع المعلوماتية عاجلاً أم آجلاً بعد أن دخل الرصيد المعلوماتي
محورية مزاولة النشاط التجاري الذي يعود بفوائد الربح المادي والرقي
الاجتماعي.
إن مفهوم المعلوماتية غدا اليوم حالة ممارسة وله مدلول عام في
المجتمع المدني الذي يتطلع إلى بناء شخصية إنسانية بناءة ثقافياً،
فبالثقافة الحقة ممكن بناء العالم السعيد المدافع عن وجه الحق وجمال
الحياة. |