عن الإمام الحسن العسكري (ع): (جعلت الخبائث
كلها في بيت وجعل مفتاحه الكذب)
تحتل القيمة مكانتها لدى الفرد حسب حاجته إليها
واهتمامه بها، فيعطي الفرد أهمية ضئيلة للقيمة، إذا لم يكن قد وصل بعد
إلى المستوى أو الدرجة التي يعرف من خلالها مدى مناسبة هذه القيمة
وأهميتها بالنسبة له.
وبالإدراك الواعي للإمام (ع) للقيمة المضادة
للكذب الذي هو الصدق ومضار الكذب بأن جعلها مفتاح كل الخبائث يتم
التصويب لقلع جذور هذه الظاهرة من المجتمع خصوصاً أن ارتقاء الطفل
يتأثر بأسلوب التنشئة والتوجهات التي يتلقاها من ثقافته ومجتمعه وأسرته،
فالتنشئة الاجتماعية هي العملية التي يكتسب الطفل من خلالها سلوكياته
ومعتقداته ومعاييره وقيمه.
وتستمر هذه العملية على امتداد فترات حياته
المختلفة وما يمر به من خبرات معينة يلعب فيها المنشئون دوراً واضحاً،
نظراً لما لهؤلاء من قدرة على إشباع حاجاته ومساعدته على تكوين معان
ودلالات للأشياء في محيط البيئة، فيولد الأطفال في مجتمع له قيمه
ومعاييره المحددة، ويكتسب هؤلاء الأطفال هذه المعايير وهذه القيم في
إطار هذا المجتمع.
والإطار الحضاري لا يجوز تصوره على أنه يحيط بنا
فحسب، بل الواقع أن جزءاً كبيراً منه لا يمكن أن يقوم إلا من خلالنا
فالقيم والرموز وأشكال السلوك المقبولة أو المطلوبة كلها جوانب من
الحضارة لا يمكن أن تقوم إلا بواسطة أبناء المجتمع، ولا يمكن أن تستمر
عبر الأجيال إلا بأن ينقلها أبناء الجيل إلى أبناء الجيل الثاني، وهنا
يتجلى أهمية التوجيه عبر السلوك العملي قبل النظري فلذا إن أهم سبب
لنجاح الدعوة الإسلامية في بداياتها هو اتصاف النبي (ص) بالصدق حيث كان
يدعى بالصادق الأمين.
والتشديد في ذلك من قبل الأئمة لدليل على أضرار
الكذب الفادحة، ففي رواية عن الإمام الباقر (ع) كان علي بن الحسين (ع)
يقول لوُلده: اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جدّ وهزل، فإن
الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير) وبتصور خاطف لكن بدقة ماذا
يحل لو لم تكن العلاقات قائمة على الصدق؟ حتماً الانهيار، حيث يساور
الإنسان القلق في جميع مراحل حياته، ومن جميع الناس حتى أقرب الناس
إليه، فلعمري المنية أفضل من تلك الحالة المزرية. |