عن أمير المؤمنين والصراط
المستقيم علي بن أبي طالب (عليه السلام):
(شيئان
لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما: الشباب والعافية).
لا يخفى أهمية أيام الشباب لأنها تشكل مشعلاً
وضاءً وسراجاً منيراً في عمر الإنسان، إنها عهد السرور والفرح، وعهد
القوة والعنفوان، عهد النشاط والأمل، عهد الجدّ والعمل وعهد الحركة
الدؤوبة والحماس.
وهذه الثروة الكبيرة والنعمة الجسيمة لا تغيب
أهميتها عن بال الشارع الحكيم فترى الوصايا الكثيرة بالنسبة لهذه
الفترة المثمرة، والتعامل معها بحذر وتعقل فعن رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) يقول: (يا علن لعن الله والدين حملا ولدهما على
عقوقهما) تنبيها للأسر على احترام أولادهم خصوصاً في فترة الشباب حيث
الوصول إلى قمة التأثر السريع الذي ينبغي على الوالدين والمربين أن
ينتبهوا لمراعاتها. ويلتفتوا إلى أن عدم احترام الشباب وتحقير شخصيته
يولّد في نفسه روح القسوة والانتقام.
وبالأخص في مجال هدايته إلى الدين نذكر قولاً
للإمام علي (عليه السلام) يبين لنا السلوك الناجح والطريقة المثلى لذلك
حيث يروى عنه (عليه السلام) (إن الدين عميق فتوغلوا فيه برفق) تلك هي
نظرة عارف بالدين بل هو الدين، وقد خالط لحمه ودمه، ولكن في المقابل هي
نظرة المتشائمين في كل زمان، لا سيما في هذا الزمان، حيث تسمع أصواتهم
المتهدجة حنقاً على رذيلة سطحية، أو غيرةً على فضيلة موهومة تاركين
اللب والأساس الذي هو المحبة. أولئك هم المصلحون الذين لم يصلحوا
أنفسهم بعد. فلا تراهم إلا ويئنبون الشباب لكل شاردة وواردة، شبابنا
منغمس في الفحشاء مثلهم الأعلى الملذات الجسدية، لا يعرفون الله،
يسيرون بخطوات متسارعة إلى جهنم وهكذا من كلمات اللوم والتنقيص.
ما لهم وللشباب. فهلاّ تركوا للشباب فرصة حتى
يجدوا أنفسهم؟
ألا من فسحة لهم لكي يفكروا فيما بين أنفسهم؟
اليس من هنيئة تأن بين متواليات اللوم والتقريع؟
ليتهم يفكروا بما يعملون، ويتعقلوا ما يسمعوه من
الحكماء والأنبياء، إذ الشباب هو عهد الفيضان، فيضان أشواق الروح
وشهوات البهيمية، فيضان نور الأمل وظلمات اليأس، فيضان حرارة الإيمان
وحمى الشك، فيضان الحب المستسلم والتمرد الغضوب.
إذن الشباب هو عهد الاندفاع، من شاء أن يلجم
اندفاع الشباب كأنه يلجم العاصفة الهوجاء، دون جدوى.
والذي يرغب في توجيه فيضانه نحو محجة واحدة عليه
أن يحبب محجته إلى الشباب ويحمله على الإيمان بها، لا أن يفرضها عليه
فرضاً.
فالشباب لا يطيق ما يفرض عليه، ولا يأتمر إلا
بمشيئة الحياة المتدفقة في داخله، وإذا ما فترت همته نحو عقيدة أو مذهب
ما فلأنه لا يحس في تلك العقيدة أو ذلك المذهب بما يدفعه إلى اعتناقها
بشوق وحرارة.
لكنه إذا ما آمن بمثل أعلى غرسه في قلبه ورّاه
بعصير حياته.
هو الشباب حمل بشارة الأديان إلى كل أقطار
العالم وتحمّل في سبيلها الرجم والسجن وكل أصناف العذاب.
هو الشباب سار بالقرآن من قلب الجزيرة العربية
إلى قلب الأندلس في الغرب والصين في الشرق.
هو الشباب فرشَ – وما يزال يفرش – جسده الحيّ
على الجمر والشِفار ليجعل منه بساطاً ناعماً لأقدام خيال بديع اسمه
الحرية.
فعلى من شاء تقريبه من الدين أن يمشي به من دهشة
الحس إلى نشوة الروح، ومن وحشة الحيرة الغضاضة إلى أنس الإيمان الحنون.
من الله في المعبد إلى الله في القلب، وإذ ذاك
تصبح كل عثرات الشباب، وكل سيئاته، وكل آثامه درجات يرقى بها إلى حريته
المثلى – إلى ذاته الكبرى - إلى الله جل جلاله. تلك هي ما راودت أفكار
حكيم عاقل.
لكن اسمع أيضاً ما روي عن رسول الإنسانية
والرحمة للعاملين ستجد روعة ما لفظه بين شفتيه الكريمتين، حيث يروى عنه
(صلى الله عليه وسلم) أنه: قال الله عز وجل لداوود (عليه السلام) أحبني
وحبّبني إلى خلقي. قال: يا رب نعم أنا أحبك، فكيف أحببكِ إلى خلقك؟ قال:
أذكر أيادي عندهم، فإنك إذا ذكرت ذلك لهم أحبوني. |