نبَّهت عريضة رفعتها مجموعة ليبرالية إلى رئيس
مجلس الوزراء إلى ضرورة إنهاء سياسة الانحياز الحكومي الكامل لتيار
التخلف ( التيار الإسلامي ) ، واستنهض كاتب وطني السلطة يطالبها بضرورة
تحجيم التيار الديني الذي تغلغل في كل أجهزة الدولة ، فيما بادرت
مجموعة إسلامية لتحذير السلطة من دعم مساعي ليبرالية لإقرار حقوق
المرأة السياسية في الكويت ، وتوسل فريق آخر بالدولة لمصادرة الكتب
المخالفة وتقييد العمل الثقافي في البلد .
وقبل فترة ليست طويلة دعت منظمات وجهات ليبرالية
في دول خليجية وعربية حكوماتها ، للوقوف أمام عمل " اللجان الخيرية "
وضرورة تضييق الخناق على الأنشطة الدينية بإعتبارها سبب " الظاهرة
الطالبانية " ، بينما توسل المحافظون في إيران بالسلطة لإغلاق الصحف
الإصلاحية أو تقييدها بدعوى أنها سبب " ظاهرة التغريب " التي تفشت في
العواصم الإسلامية .
وفي مصر لازالت المعارك مشتعلة بين الأطراف
المختلفة ، على تضييق أو توسعة مساحة الحريات العامة ، على السماح أو
مصادرة الكتب الثقافية والدينية ، على تقييد أو تأييد التعليم الديني ،
ويتوسل كل تيار من التيارات بالسلطة لضرب أو تحجيم التيار المخالف .
وتعتقد كل الأطراف أنها محقة في موقفها ، فطالما
الخصم كان " إسلاميا متخلفا " من وجهة نظر ليبرالية ، أو " ليبراليا
رجعيا " من وجهة نظر إسلامية ، فإن الوسائل المستخدمة لإلغائه هي
مشروعة سلفا ، ولا غبار عليها ، وعليه فلا يوجد ما يمنع من التوسل
بالسلطة أو غيرها لتحقيق الهدف المنشود .
على أن لجوء تيار ما للدولة لإلغاء تيار آخر لا
يمكن أن يكون عملا مشروعا في الميزان السياسي ، إذ هو في أبسط الظروف
يوفر مبررا كافيا لتعسف الدولة في إستخدام القانون وتقييد الحريات ،
وإلغاء أي طرف من الأطراف بمباركة الجهات الأخرى ، وإن تدخلت الدولة
اليوم لتحجيم نفوذ التيار الإسلامي بمباركة ليبرالية ، فان الدور
القادم سيشهد تحجيم للتيار الليبرالي بمباركة إسلامية .
سيهلل الإسلاميون فرحا لتدخل الدولة في منع
روايات وكتب محسوبة على التيار الليبرالي ، وسيشجعون الدولة والوزير
المختص على جرأته في منع الفساد الفكري والثقافي ، لكنهم سيفاجئون في
الأيام التالية بان الدولة وربما ذات الوزير تدخل لمنع كتبهم ، أو منع
ندواتهم الدينية و الدعوية ، فمبرر التدخل في الحياة الثقافية أصبح في
يد السلطة وليس في يد المجتمع .
والأصل أن يقف الجميع ضد تدخل الدولة في الأنشطة
الإجتماعية والثقافية والأهلية السياسية ، ويتوافق الجميع على ( ميثاق
سياسي ) لحل النزاعات بعيدا عن سلطة الدولة وليس عبرها ، فالدولة
بطبيعتها ميالة للتدخل في كل شؤون الحياة اليومية للمواطن ، وما يمنعها
هو رغبة وموقف القوى السياسية وعملها لتقليل مساحة تدخل الدولة في شؤون
المجتمع ، وإلا فهي تمتلك كل الوسائل والأدوات اللازمة للتدخل ، بل وكل
الأدوات اللازمة لمعاقبة أي طرف أو تحجيم دوره .
إن الخروج من هذه المعضلة لن يتم دون تقليل فرص
تدخل الحكومة في تحجيم دور القوى السياسية والأنشطة الإجتماعية
والثقافية ، والعمل من اجل الخروج بمزيد من القوة السياسية لصالح
المجتمع ، وإعادة السلطة لحجمها الطبيعي ، فالدولة لها مجالها الذي
تتحرك فيه والذي يجب أن لا يصل إلى مكتسبات الناس وحقوقهم الأصيلة ،
وعلى القوى السياسية أن تخرج بموقف موحد ضد أي محاولة لتدخل الدولة بما
يؤدي الآن بالبعض وبالجميع في المستقبل إلى تقييد حرياتهم ، وافتقاد
استقلاليتهم المطلوبة .
* كاتب كويتي
AHMED_HJ@HOTMAIL.COM
|