بعد ثلاثة أشهر من سقوط صدام حسين تكتسب فكرة
وجود منظمة أمنية شاملة للخليج والشرق الأوسط زخما.
وسيكون الهدف هو جمع بلدان متباينة مثل إيران
والعراق والمملكة العربية السعودية وتركيا وفي نهاية المطاف إسرائيل
والفلسطينيين في هيكل يدعم الحوار السياسي والتطور الاقتصادي والتحديث
والديمقراطية.
ويرى بعض صانعي السياسة في منظمة الأمن والتعاون
في أوروبا وهي المظلة التي ساعدت في تمهيد الطريق لتحول سلمي لشرق
أوروبا في نهاية الحرب الباردة نموذجا للمنطقة المضطربة.
وإذا كانت مثل هذه الفكرة تبدو مثالية في وقت
يعج فيه الشرق الأوسط بالنزاعات والتشدد الإسلامي والكساد الاقتصادي
والقمع السياسي فإن الفكرة موجودة على الأقل في أذهان النخبة السياسية
في المنطقة وما وراءها.
واتفق وزراء وسياسيون ودبلوماسيون ورجال أعمال
ورجال فكر من الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة في مؤتمر نظمته
مؤسسة بيرتلسمان الألمانية على أن الإطاحة بصدام في النهاية جعلت مثل
هذه المبادرة أمرا موضع تفكير.
وبموجب القواعد الأساسية لمحادثات كرونبرج التي
استضافتها مؤسسة النشر الالمانية يسمح بنشر ما يجري من مناقشات ولكن لا
يسمح بالكشف عن هوية المشاركين فيها.
واقترحت ورقة استراتيجية اعدت للعرض في الاجتماع
هيكلين من اجل اعادة دمج العراق مع محيط جواره وتشجيع احداث تغير سياسي
واقتصادي اوسع في الشرق الاوسط.
فمن جانب تقول الورقة "لابد ان يتم دمج العراق
تدريجيا في نظام امني مع ايران ودول الخليج الاخرى من اجل تقليل احتمال
حدوث تهديد من جانب العراق ومراجعة اي محاولات متجددة للهيمنة
الاقليمية."
كما تقترح الورقة ضرورة ان يوسع الاتحاد
الاوروبي اطار شراكته مع دول جنوب وشرق البحر المتوسط العشر والمعروفة
باسم عملية برشلونة او يوروميد الى شراكة اوروبية شرق اوسطية لتكون
مظلة للتعاون.
واشار مسؤول امريكي متقاعد حديثا الى ان الشرق
الاوسط هو اقل مناطق العالم انتظاما في شكل مؤسساتي اذ يفتقر الى ذلك
النوع من الهياكل التي يمكن ان تعزز التعاون مثلما هو الحال في اوروبا
وامريكا اللاتينية وافريقيا وجنوب شرق اسيا.
واخفقت مثل هذه الافكار في السابق في ظل
الصراعات العربية الاسرائيلية والعراقية الايرانية طويلة الامد وفي ضوء
رغبة واشنطن في استمرار عزل واحتواء طهران وبغداد.
وقال مسؤول روسي كبير انه لم يعد من السابق
لاوانه تصور هيكل امني للخليج يضم كل دوله والاعضاء الدائمين في مجلس
الامن الدولي.
وكان المتحدثون العرب والايرانيون حريصين على
جذب تدخل اوروبي اكبر في منطقتهم حيث يقوم الاتحاد المؤلف حاليا من 15
دولة بدور مشارك في تحركات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين الى
جانب الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة.
وجاءت بعض الحجج من جانب اعضاء مما يسمى "بالحرس
القديم" في العالم العربي الذين لا يشعرون بالارتياح تجاه الضغط
الامريكي لتبني الديمقراطية ويخشون من القوة العسكرية الامريكية التي
قد تكون على ابوابهم.
وتساءل احد المشاركين "هل اعطت الولايات المتحدة
نفسها الحق في احتكار ادارة المنطقة."
وقال "الاتحاد الاوروبي مؤهل الى حد كبير
للتعامل مع المنطقة لاسباب جغرافية سياسية وتاريخية. الولايات المتحدة
لا يمكنها فرض رؤيتها الخاصة على الشرق الاوسط."
وقال مسؤول اوروبي في ملاحظة ساخرة ان وزراء
ودبلوماسيين اوروبيين يخشون الدخول في منافسة ضد الجهود الامريكية
الهادفة لتحويل المنطقة حتى لو كان الاتحاد الاوروبي يميل الى حمل جزرة
كبيرة بدلا من عصا غليظة في المنطقة.
ويرى الاوروبيون ان هناك حاجة لان يكونوا اكثر
حزما في الترويج "للحداثة" و"الليبرالية" وهي عبارات منمقة من اجل
محاربة الدكتاتورية والفساد والرجعية.
واذا انضمت تركيا في نهاية الامر الى الاتحاد
الاوروبي فان ايران والعراق ستكونان جارتين جديدتين للاتحاد.
وبالنظر الى النتائج الهزيلة لعملية برشلونة
التي بدأت عام 1995 وسط تفاؤل بشأن احتمالات السلام بين اسرائيل
والفلسطينيين فان بعض الخبراء تساورهم الشكوك في دخول الشرق الاوسط
الموسع في عملية تحول طموحة كهذه.
وعلى الرغم من عودة الحياة بصورة هشة لجهود
السلام الا ان اي تعاون اقليمي اوسع يظل حساسا لاي انتكاسة على المسار
العربي الاسرائيلي.
وساعدت منظمة الامن والتعاون في اوروبا في ظل
تأكيدها على تحقيق تقدم بصورة متوازية في مجالات حقوق الانسان والتعاون
الاقتصادي والحوار السياسي في انهيار الامبراطورية السوفيتية.
لكن قد يكون من الصعب تسويق مثل هذا الهيكل
لحكومات الشرق الاوسط التي لا ترغب فيه.
وتظهر الطريقة التي تضايق بها بعض الحكومات
العربية جماعات المجتمع المدني التي ترعاها عملية يوروميد مدى صعوبة
اقامة هيئة في المنطقة على غرار منظمة الامن والتعاون في اوروبا.
المصدر: رويترز |