تناقش أغلب القضايا في مجتمعنا بنصف عقل، وليس
بعقل كامل، وذلك بسبب ارتباطها بمصالح ومنافع شخصية وحزبية ضيقة، أو
بسبب ارتباطها بعادات وتقاليد عائلية وقبلية يصعب الفكاك منها، وتضع
هذه القيود جملة من الحواجز والأغلفة أمام أي قضية أو أطروحة جادة، خذ
على سبيل المثال قضية التعددية الحزبية، أو قضية العدالة الإجتماعية،
أو قضية المرأة، وغيرها من مسائل لا تناقش من قبل الأطراف بطريقة
موضوعية وهادئة، وإنما حسب ما تقتضي مصلحة الشخص السياسية أو
الإنتخابية أو الحزبية، وهذا ما يفسر سبب تفشي الكثير من ضبابية الرؤية،
وضياع الأولويات وإهمال الثقافة، وفشل المشاريع التنموية، ومن أبرز
المسائل التي تتطلب تحريرا وحوارا رغم سخونتها " حقوق المرأة السياسية
" .
وبالرغم من أنني أحاول " أحيانا " النأي عن
الخوض في المسائل المتفجرة، إلا أنني آمل أن يتفهم القارئ أبعاد الحوار
في القضايا الدقيقة، للخروج بموقف يتناسب مع تطلعاتنا المعلنة بمجتمع
تعددي تتوسع فيه قاعدة المشاركين في الحياة السياسية، و تتنوع مساهمة
الكفاءات فيه باختلاف جنسهم أو أعمارهم أو مكانتهم الإجتماعية، ومن أجل
أن تكون خيارات الإصلاح السياسي أمامنا متسعة بدل أن تكون مقتصرة على
فئة صغيرة لا تزيد عن 15 % .
لقد عولجت مسألة حقوق المرأة في الأوساط
الإسلامية تحت رهبة شديدة من التأثيرات الخارجية، وهو ما يفسر التشكيك
المبالغ فيه عند كل حديث يتعلق بقضايا المرأة أو حتى في اللغة التي
تعالج هذا الموضوع، فثمة خشية واضحة من الوقوع في الفتنة أو الوقوع في
إغراءات الثقافة الغربية الداعية لتحرير المرأة من القيم الدينية
والأعراف الإجتماعية .
ثمة شيء آخر لا بد من التنبيه إليه هو أن المرأة
من جهتها تتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية، ولعل الملاحظة الأبرز أن
نسبة المطالبين بحقوق النساء من الرجال أضعاف عدد أمثالهم من النساء،
ولا يزال الرجل هو الذي يتصدى لمعالجة هذا الأمر سواء من الناحية
الفكرية أو من الناحية الفقهية والقانونية وحتى عبر إثارة الموضوع في
وسائل الإعلام وطرحه على الرأي العام، في الوقت الذي تتلكأ المرأة عن
تقديم معالجتها المتينة للموضوع بشكل كاف .
السؤال الجوهري في هذا الخصوص يقول: هل هناك ما
يمنع من تولي المرأة لأحد المناصب السياسية العليا في الدولة الإسلامية،
مثل أن تكون رئيسة دولة أو رئيسـة وزراء أو عضو في البرلمان ؟؟ وهل
يجوز للشعب ( من النساء والرجال ) أن ينتخب امرأة لأحد هذه المناصب
السياسية ؟
لو تصفحنا التجربة التاريخية للمسلمين لوجدنا
عدة نماذج لنساء تصدين للعمل السياسي، لا بحدود الممارسة اليومية بل
وحتى على مستوى النقد والتقويم، في المستوى الأول تلقَّى النبي صلى
الله عليه وآله بيعة النساء في العقبة وبعد الهجرة إلى جانب الرجل،
والبيعة لها معنى سياسي ( أعمق مما يتصوره البعض ) يمكن أن نفصله في
مبحث آخر، وفي المستوى الثاني شاركت المرأة بصياغة سياسة الحكومة، وكان
لها رأي مؤثر في الأمور السياسية مثل موقف السيدة فاطمة الزهراء من
الخليفة أبي بكر الصديق : فقد تنكّرت لبيعة " الخليفة " واتخذت منه
موقفاً سياسياً مفصلا في كتب التاريخ، وخطبت خطبتها الشهيرة التي بينت
من خلالها موقفها الديني والسياسي .
ويقر الشيخ الدكتور مصطفى السباعي بأن " الإسلام
لا يرفض حق الانتخاب وحق النيابة بالنسبة إلى المرأة " لكنه يطالب "
بعدم تطبيق حق النيابة لأن الظروف الحالية لا تتوافق مع وظيفة المرأة
في الإسلام، بل أنها تخرج بها إلى عدد من المحظورات "، وهو ما يؤكد ما
ذهبنا إليه في بداية حديثنا بأن المسألة الأساسية التي تقف حاجزا أمام
التقدم في حقوق المرأة السياسية تكمن في القلق من آثار مشاركة المرأة
في الحياة العامة، وهي مخاوف يرتكز بعضها على فهم تقليدي للنص الديني،
ويعتمد أغلبه على عادات وتقاليد إجتماعية، وعلى مخاوف نتيجة مشاهدات
سلبية في بعض المجتمعات الغربية .
بالنسبة للنصوص الدينية فقد تصدى أكثر من فقيه
على مستوى عال من الدقة العلمية لمناقشة أدلة المنع، ففي العصر الحديث
برز إسم الشيخ محمد رشيد رضا في حواره الجريء لموضوع المرأة، وفي معرض
تعليقه على الآية الكريمة " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
يأمرون بالمعروف وينهون علن المنكر .. " يقول الشيخ رضا " وما في الآية
من فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على النساء كالرجال، يدخل فيه
ما كان بالقول وما كان بالكتابة، ويدخل فيه الانتقاد على الحكام من
الخلفاء والملوك والأمراء ومن دونهم، وكانت النساء ( في العصور
الإسلامية ) يعلمن ذلك ويعملن به " .
أما في التاريخ المعاصر فقد أكد الإمام الخميني
أن امتلاك المرأة للشخصية القوية والمبدعة وامتلاكها لإرادتها، وتمتعها
بفكر سياسي راسخ، يؤهلها للتدخل في الشؤون السياسية وتقرير مصيرها،
ومصير المجتمع، من خلال امتلاك حق الانتخاب والترشيح والإدارة
والعلاقات السياسية والحرب والسلام وسن القوانين الثقافية والاقتصادية،
ولم يظل رأي الإمام في الإطار النظري بل تحول إلى ممارسة ثابتة في
الجمهورية الإسلامية، وقد حاولت بعض الجهات أن تقضي عليها لولا دفاع
الإمام الشديد عن حق المرأة في ممارسة دورها السياسي .
يبقى أن نؤكد أن مسألة مشاركة المرأة في الحياة
السياسية لا تنفك عند معالجتها عن المسألة الثقافية، وحتى لو قُرَّ
قانون يسمح للمرأة بحقوقها السياسية فستظل الممارسة في أسوء حالاتها،
وستظل تنمو الكثير من الإشكالات نتيجة تدني وعي المجتمع بحقوقه بصورة
عامة، ونتيجة لضعف اهتمامه بتعميق مفاهيمه وتطوير نظام تفكيره، فنحن
أمة لا تزال تعيش عجزا فاضحا في إنجاز مؤسسات وأجهزة تمتلك القدرة على
تصحح مسارات التفكير في مجتمعاتها القائمة .
* كاتب الكويتي
AHMED_HJ@HOTMAIL.COM |