فكرة الإندماج على مستوى البلدان الغربية
الحاضنة للعمالة المسلمة، والعيش المشترك بمستوى أعلى بحيث يشمل
البلدان الإسلامية والغربية وغيرها وحوار الحضارات بمستوى أرقى حيث
يشمل التفاعل بين جميع الحضارات الإنسانية، شعارات براقة وحديثة وذوات
محتوى عميق ودقيق وموقعنا منها هو موقف ا لدعم ما ظلت هذه الشعارات من
منطلق التنوع البشري الخلاّق أولاً، وبحثاً عن أفق متوازن للتفاعل بين
العام والخاص، العالمي والوطني ثانياً، وقائماً على الاعتراف بالآخر
وحقه في الاختلاف والتميز بخصوصيته ثالثاً، وداعماً لقيم العدل
الاجتماعي وآفاق الحرية الفكرية والإبداعية رابعاً. والهدف آخر الأمر
هو تحقيق عالم يخلو من ويلات الحروب، ولا يعرف كوارث التعصب والتطرف،
عالم يعتني بالتسامح، ويثري بوحدة التنوع الخلاّق، ويسعى إلى السلام
سعيه إلى التقدم الذي يعم الإنسانية كلها، وما دام هذا الهدف قائماً
فهذه هي البديل المنقذ من الصراعات، وهي النتيجة التي تعتمد على تفاعل
الثقافات بما يتسع بآفاق الفهم المشترك وتقبل الإختلاف والمغايرة،
الأمر الذي يحفظ لكل ثقافة خصوصيتها، مؤكداً العناصر المشتركة التي
تجمعها وغيرها من الثقافات، داعماً تبادل التأثر والتأثير بما يبقي على
حيوية المكونات والعلاقات، حيث انعقاد اللقاءات في العواصم الأوربية
منها في ألمانيا وفي الدنمارك عندما عقد حواراً الهيئة القبطية
الإنجيلية للخدمات الاجتماعية مع الوفد الكنسي الإنجيلي الدنماركي الذي
زار القاهرة والتقى بعلماء الأزهر الشريف ورجال الكنائس المصرية، قبل
أن يلتقي بعدد من الناشطين وأساتذة الجامعة والإعلاميين في هذا اللقاء
طرح الوفد الكنسي الدنماركي موضوع المسلمين الذين انتقلوا للعمل في
بلدان أوربا ثم استقروا فيها وباتوا الآن يحملون جنسية البلد الذي
استقبلهم، كيف يمكن إدماجهم في المجتمع الذي احتضنهم دون المساس
بهويتهم الدينية ومع اعترافهم بالخصوصية الدنماركية السياسية
والاجتماعية والثقافية؟
وأهم الحقائق الناتجة عن هذا اللقاء هي: (الأولى)
أن مشاكل العمالة المسلمة في بلدان الاتحاد الأوربي لم تعد تخص بلداً
أوربياً بذاته، ألمانيا أو الدنمارك أو اليونان أو المملكة المتحدة،
وإنما هي قضية تشكل ظاهرة في بلدان الاتحاد الأوربي ومن هنا تأتي أحد
عناصر أهميتها. وخاصة بعد أن بات المسلمون في تلك البلدان يمثلون
أعداداً تتجاوز الملايين في كل بلد على حدة.
(الثانية) أن الجهة العاملة في مجال دراسة هذه
القضية سعياً لحلها هي الجهة الأوربية في حين أننا كبلدان مصدّرة لهذه
العمالة لم نفكر كثيراً في دراسة مشاكل هؤلاء العمال أو المهنيين.
(الثالثة) أن قضية العمالة المسلمة في هذه
البلدان ليست بسيطة وإنما هي قضية مركبة التكوين لأن هؤلاء المسلمين لم
يهاجروا من بلد مسلم واحد وإنما تنوعت ولا تزال تتنوع منابعهم الوطنية،
هاجروا من أندونيسيا والمغرب والسودان ونيجيريا والبوسنة وبالتالي فهم
يحملون بجانب الهوية الدينية الواحدة، تنوعاً ثقافياً واجتماعياً وكذلك
سياسياً، وحتى تنوعاً في درجة التعليم وكم ونوع المعلومات التي انتقلوا
بها من أوطانهم إلى البلد المستقبل لهم، وبالتالي باتوا في عيون
المجتمع المستقبل والحاضن لهم يشكلون عدة مجموعات مسلمة بحيث لا يمكن
التعامل معهم على أنهم مجموعة واحدة.
(الرابعة) أن نظرة رجال الكنائس الذين دار
الحوار معهم لم تتناول قضايا المسلمين في هذه البلدان من المنظور
السياسي (التآمري الإرهابي) الذي تتبناه بعض دوائرهم السياسية العليا.
إنهم يتحدثون عن المسلمين في بلدهم كمواطنين من
الذكور والإناث والأطفال والشيوخ وكذلك من الجيل الأول والجيل الثاني،
أصبح لهم واجبات وحقوق والتزامات عامة وخاصة، وبالتالي لا يمكن تركهم
غير مندمجين في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلدان
التي يحملون جنسيتها.
(الخامسة) إن موجات الهجرة من دول العالم النامي
إلى دول ا لعالم الأوربي بدأت معظمها في سبعينات القرن العشرين. انتشر
من خلالها البشر الجنوبي في كل بلدان أوربا، والحقيقة أن هذا العقد
تحديداً، هو العقد الذي بدأت تتسارع فيه حركة تطور الرأسمالية العالمية.
لذلك صاحب هذه الحركة البشرية حركة أخرى في
علاقات العمل والتقدم التقني وفي وسائل الاتصالات بمعنى أخر تغيرت
ملامح ومعالم القديم وجاء الجديد ليجرف البشر ليس فقط من أوطانهم
وعلاقاتهم المستقرة وإنما من كل ما هو قديم في المكان والعلاقات ينطبق
هذا على أهل البلد المستورد وعلى المهاجرين إليه.
وطبعاً لمعرفة أهمية الحقيقة أن نسبة المسلمين
(3.5%) في الدنمارك دفعت الكنيسة الأنجيلية للتحرك من أجلها إذ بالرغم
من كونهم أقلية إلا أن عددهم يزيد على عدد الكاثوليك في البلاد. هذا
بالإضافة إلى أن المسلمين ينتمون إلى دين يعود انتماؤهم له إلى أربعة
عشر قرناً في حين أن الدنماركيين اعتنقوا المسيحية منذ ثمانمائة عام
فقط.
ولا يمكن إنكار أن الدنماركيين وقفوا في البداية
موقف الحذر منهم فكانوا دائماً يسئلون عما يريد أن يفعله هؤلاء
القادمون، بالتراث الدنماركي السياسي والاجتماعي والثقافي؟
كانوا شديدي الحذر والترقب كما كانوا شديدي
الانتقاد لهذا الوجود الغريب المفاجئ؟
ولكن من الجانب الآخر لا بد من الاعتراف أن
المسلمين هم أيضاً لم يكونوا جميعاً على علم بالواقع الذي سيعيشون فيه.
لقد لعبت هذه الفجوة الواسعة التي حجبت عن
الجانبين معرفة الآخر دوراً سلبياً في البداية ولكن بمرور الزمن ظهرت
مساع تحركت تجاه حل مشاكل المجتمع الإنسانية، كالكنيسة الأنجيلية
فأوجدت في كل مدينة جمعية صغيرة لإدارة حوار مسيحي – مسلم تبرز فيه قيم
التسامح والمساواة كقيم أساسية للعيش المشترك، لأن العقل البشري لا
يعجزه شيء إذا ما استعمله بطريقة صحيحة لحل المشاكل دون الاتجاه
السلطوي والنزعات المتعالية الراغبة في الهيمنة، حيث ما من داء إلا وله
دواء. |