عندما وجد حمزة المزيني ملاحظة على فاتورة
الكهرباء الخاصة به تحثه على الدعوة للاسلام كتب مقالا صحفيا ينتقد فيه
اقحام الدين في الحياة اليومية.
وقبل اسابيع أعرب المزيني عن غضبه من معرض في
مدرسة ابنه يوضح كيفية غسل الموتى واعدادهم للدفن فهاجم "ثقافة الموت"
في بلده وقال انها قد تشجع على العمليات الانتحارية.
ورغم ان اراءه تلك لن تجد معارضة في كثير من
انحاء العالم فقد لمست وترا حساسا في المملكة العربية السعودية مهد
الاسلام المحافظ حيث يظل سجل وسائل الاعلام في تحدي المؤسسة الدينية
القوية ضئيلا.
وقال المزيني عن مقالاته في جريدة الوطن والتي
أثار بعضها احتجاجات صاخبة "لست شجاعا لكن عليك في بعض الاوقات ان تقول
شيئا."
والمزيني استاذ للغة العربية بجامعة الملك سعود
بالرياض وهو واحد من عدة كتاب فتحوا افاقا جديدة بطرح تساؤلات عن
الممارسات الدينية في المملكة التي يسيطر عليها المذهب الوهابي.
وركز المزيني على دور التعليم في المدارس
السعودية في تشجيع حركات متشددة مثل شبكة القاعدة التي يتزعمها اسامة
بن لادن سعودي المولد كما هاجم "المطوعين" الذين يفرضون الالتزام
بقواعد الفضيلة في الاماكن العامة.
ويقول صحفيون ان هجمات 11 سبتمبر 2001 على
الولايات المتحدة كانت احد الاسباب التي أثارت مناقشة أكثر صراحة في
وسائل الاعلام. وكان معظم خاطفي الطائرات سعوديين.
كذلك كان من العوامل المحفزة حريق في مدرسة
للبنات بمكة المكرمة في العام الماضي عندما اتهم رجال الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر بمنع الطالبات من الهرب من المبنى المحترق لانهن لم
يكن محجبات وسينكشفن امام عمال الانقاذ الرجال.
وأعطت دعوات الاصلاح التي أطلقها ولي العهد
الامير عبد الله حاكم البلاد الفعلي دفعة جديدة لمناقشة تلك القضايا
وكذلك تفجيرات الرياض الانتحارية في 13 مايو ايار والتي القي باللائمة
فيها على تنظيم القاعدة.
وقال المزيني "اعتدنا الكلام عن مشكلاتنا بطريقة
ملتوية للغاية. ذلك لم يساعدنا. بلادنا تحتاج كلاما مباشرا وليس أن
ندير رؤوسنا الى الناحية الاخرى."
واضاف ان "11 سبتمبر والذي كان جريمة لا انسانية
فتح اعيننا لنرى انفسنا.. وهذا افضل شيء حدث لنا منذ زمن طويل."
وقال خالد باطرفي مدير تحرير جريدة المدينة ان
الصحف السعودية بدأت تعبر عن نفسها بصراحة. وقال "هناك مساحة وحرية
أكبر لمناقشة القضايا بما في ذلك امور كانت تعد من المحظورات في الماضي."
وكتب باطرفي في مقال نشر في يونيو حزيران الماضي
ينتقد رجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين يراقبون الفضيلة عبر
المملكة قائلا ان حماستهم في عملهم زائدة عن الحد. ولم يعترض على ذلك
أحد.
وقال "قبل عام كنت سأواجه كثيرا من الغضب
والاعتراض من الشرطة الدينية ومؤيديها" مضيفا ان مقالا ذا لهجة اخف
كثيرا قبل عدة اعوام كان سيجلب احتجاجات رسمية على صحيفته.
وواكبت التصريحات الاكثر جرأة تغطية اخبارية
اكثر شجاعة.
فالصحف التي لم تأت على ذكر غزو العراق للكويت
لمدة ايام قبل 13 عاما صارت تنشر اخبارا عاجلة بشكل منتظم عن اعتقال
متشددين مشتبه بهم في المملكة في الاسابيع الاخيرة دون انتظار البيانات
الحكومية الرسمية.
وقال باطرفي ان الحريق الذي شب في مدرسة البنات
في مارس 2002 شجع الصحفيين على تنحية خوفهم جانبا. وقتلت 15 فتاة في
الحريق والذي ازداد سوءا بسبب ضعف اجراءات الامان والذي يلقى باللائمة
فيه على فساد مزعوم من قبل مسؤولين بقطاع التعليم.
وقال "كان ذلك حدثا جللا. لم ننتظر المسؤولين
ليخبرونا ماذا نكتب. لم ننتظر اي شيء."
ولكن لم يكد المراقبون في العاصمة السعودية
يبشرون بعهد من الانفتاح ويطلقون عليه "ربيع الرياض" حتى بدأ المد
ينحسر مجددا.
فصل جمال خاشقجي رئيس تحرير جريدة الوطن في مايو
ايار هذا العام بعد ان انتقد في كتاباته ممارسات هيئة الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
وقال خاشقجي ان المسؤولين الحكوميين والمثقفين
السعوديين لم يعترضوا على مقاله الذي هاجم فيه "التعصب ولكن ليس
العلماء الحقيقين". لكن المقال اثار غضب المؤسسة الدينية.
وقال "الصحافة السعودية تريد ان تصبح صحافة حرة
وأعتقد ان المسؤولين يريدون ان يجعلوها حرة الى حد ما. ولكن عندما توضع
على المحك ويأتي الشاكون ليشتكوا نعاني انتكاسة."
وتحاول السعودية التي هزتها انفجارات في العاصمة
وقتال مع متشددين في مكة المكرمة رأب الشقاق الداخلي ومعالجة تهديد
تنظيم القاعدة بالحديث مع الاقليات الدينية والمنشقين السابقين.
والى جانب حملة أمنية بعد هجمات انتحارية شهدتها
الرياض والقي اللوم فيها على تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن
السعودي المولد دعا ولي العهد الامير عبد الله الحاكم الفعلي للبلاد
إلى "حوار وطني" لحل الخلافات السياسية والدينية.
وضم اجتماع استمر أربعة أيام الاسبوع الماضي
شخصيات حكومية ومنشقين سابقين كان قد سجنوا وممثلين عن السنة والاقلية
الشيعية التي تشكو منذ زمن بعيد من معاملتها باعتبارها من مواطني
الدرجة الثانية في المملكة التي يهيمن عليها السنة.
وقال حسن الصفار أبرز رجل دين شيعي في المملكة
والذي كان منفيا "هذا هو الاجتماع الاول من نوعه ونحن نعتبره مبادرة
طيبة طال انتظارها." وأضاف "كان يتعين ان يحدث ذلك قبل وقت طويل."
ويمثل الشيعة الذين يتركزون أساسا في المنطقة
الشرقية الغنية بالنفط نحو عشرة في المئة من سكان المملكة التي تتبع
المذهب الوهابي السني.
وحضر الاجتماع كذلك ممثلون عن الطائفة
الاسماعيلية التي تتركز في المنطقة الحدودية الجنوبية الغربية قرب
اليمن.
وقال الصفار "اهم نتيجة أسفر عنها الاجتماع هي
كسر الحواجز بين المذاهب الدينية المختلفة." وأضاف ان الخلافات لن تحل
بين عشية وضحاها.
ويقول دبلوماسيون ان احتمال صعود الشيعة إلى
السلطة في العراق بعد سقوط حكم صدام حسين أقلق الرياض رغم عدم ظهور
دلائل تذكر على أن الاقلية الشيعية في المملكة تسعى للانفصال.
وقال دبلوماسي غربي مشيرا إلى تفجيرات 12 مايو
ايار الماضي في الرياض التي سقط فيها 35 قتيلا "هذا أمر لا يشغل
الحكومة في الوقت الراهن بقدر ما يشغلها التطرف بين السنة."
وتقول السعودية ان تنظيم القاعدة كان وراء هذا
الهجوم وقتال في مكة المكرمة سقط فيه سبعة قتلى.
واعتقلت قوات الامن عشرات المشتبه فيهم. وفي
إقرار ضمني بان التشدد مشكلة محلية جزئيا طلب من الوعاظ الحث على
الاعتدال ومن الاباء مراقبة ابنائهم الشبان.
وتعرضت السعودية لضغوط من جانب الولايات المتحدة
للحد من التطرف الديني منذ هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001 على نيويورك
وواشنطن. وكان 15 من 19 نفذوا الهجمات من السعوديين.
وقال الصفار ان الرياض تواجه الخطر من جانب
المطالب الغربية وعنف المتشددين على حد سواء. وأضاف "هذه الظروف
الخارجية والمخاطر الداخلية...تدفع الامير عبد الله في هذا الاتجاه (الحوار)."
وصدر بيان في ختام الاجتماع يقر بتنوع الفكر
الاسلامي في السعودية. ويطالب بالمزيد من المشاركة السياسية وتوزيع
عادل للموارد في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
وتواجه المملكة تحديات اقتصادية متنامية مثل
الارتفاع السريع في معدل النمو السكاني وارتفاع معدل البطالة والتي لم
تعالج بسبب تباطؤ خطى الاصلاح.
ودون ذكر القاعدة بالاسم دعا البيان إلى تقييد
حق إعلان الجهاد والى البحث عن سبل لحماية الدين في مواجهة وسائل
الاتصال الحديثة.
واستخدم تنظيم القاعدة وانصاره شبكة الانترنت
بكثافة لنشر رسالتهم في السعودية.
وقال الشيخ سلمان العودة وهو واعظ سني أمضى خمس
سنوات في السجن في اتهامات بالتحريض على الانشقاق والفوضى بعد ان دعا
إلى تطبيق اكثر صرامة للشريعة الاسلامية في المملكة ان الاجتماع كان "بداية
موفقة."
وأضاف "لكننا لا نتوقع الكثير منه."
ولم يحضر الاجتماع سفر الحوالي وهو واعظ بارز
كذلك سجن مع العودة في التسعينات.
ويقول الدبلوماسيون انه على الرغم من الاتفاق
على مواصلة الحوار إلا ان محاولة رأب الخلافات الداخلية قد لا تدخل في
إطار السياسات المستمرة.
وقال وزير دولة حضر المحادثات ان مجرد عقد
الاجتماع فتح أفاقا جديدة. وأضاف "يكفي ان هؤلاء الناس تجمعوا معا. قال
البعض أنهم توقعوا الا يستمر الاجتماع أكثر من 15 دقيقة. لكن اذهلهم
انفتاح الحضور."
المصدر: وكالات |