من لم تنجبه امرأة فليعترض على إنجاب البنات.
من يعتقد أن مخلفات عصور التأخر قد ولت وإلى غير
رجعة فهو على سوء تقدير للأمور فبجانب هذا العصر الذي يطلق عليه عصر
السرعة أو عصر العلم والتكنولوجيا تجري هناك منغصات شديدة على حياة
المرأة الأم التي تلد بنتاً وليس صبياً ولكن أن يصل الأمر إلى تطليقها
بسبب ذلك من قبل زوجها أبو البنت فتلك مسألة لا يقرها لا شرع ولا ضمير
ولا قانون.
وإذا ما نوقشت هذه القضية بحياد تام من ا لناحية
العلمية لتبيان هل أن اللقاء الزوجي بين المرأة والرجل الذي يؤدي إلى
إنجاب طفل يتحدد جنسه من قبل بويضة الزوجة أم حيمن الزوج بعد اتحادهما
في رحم المرأة.
يقول الدكتور محمود نشأت مدير أحد مستشفيات
الولادة في مصر: (منذ اللحظة الأولى التي يتم فيها تلقيح بويضة الأنثى
بالحيوان المنوي للرجل يتحدد نوع الجنين المقبل ذكراً كان أو أنثى. فمع
بداية انقسام البويضة الملقحة تبدأ الانقسامات المتتالية في الاتجاه
الذي يحدد نوع الجنين بشكل مطرد لا يمكن تغييره أو تعديله فإن خلايا
الإنسان تحمل داخلها مجموعة من الكروموزومات هي الأرشيف الخاص به وبكل
صفاته الإنسانية والشخصية وعددها (46) ولكنها تقع في مجموعتين
متقابلتين كل زوجين معاً ولكل مجموعة (23) كروموزوم ومن هؤلاء (22)
زوجاً تحمل الصفات العامة وتسمى (أوتوزوم) أما الزوج الأخير أي
الـ(الثالث والعشرين -23) فهو المختص بحمل الصفات الجنسية للنوع ويسمى
(سيكس كورموزوم) فالأنثى تحمل زوجين من كروموزوم يسمى (x) أكس.. أي (x
x) بينما يحمل الرجل واحداً منها (x) وآخر أصغر حجماً وأقل كثافة ويسمى
(y) واي لأنه يشبه حرف الواي (اللاتيني طبعاً) تماماً تحت الميكروسكوب.
لذلك فإن البويضة التي تحملها الأنثى تحتوي على كروموزوم (x) لا يتغير.
أما الحيوان المنوي الذي يحمله الرجل يحمل كروموزوم (yx) وفقاً
للانقسام الذي تم في الخلية الأم المنتجة لهذا الحيوان في السائل
المنوي للرجل الذي يحتوي على عدة ملايين من الحيوانات المنوية بعضها
يحمل (x) وبعضا يحمل (y) لكن البويضة التي يعززها مبيض الأم فهو دائماً
وأبداً يحمل نوعاً واحداً من الكروموزومات وهو (x) فإذا حدث التلقيح من
أحد الحيوانات المنوية الذي يحمل (x) فإن الجنين يكون بنتاً (الحيوان
المنوي + x البويضة) أما إذا حدث التلقيح بين حيوان منوي يحمل (y) فإن
الجنين يصبح ذكراً من الحيوان المنوي (x +) من البويضة.
ومن ذلك يتضح أن تحديد الجنين ولداً كان أو بنتاً
إنما يكون بسبب الحيوان المنوي الملقح للرجل، أي إن إنجاب الولد أو
البنت إنما يكون بسبب الأب وليس الأم، ولذا يعتقد خطأ بعض الأفراد (عن
جهل) ويلوم الأم والفتاة بسبب إنجاب الإناث وهي من ذلك براء).
ولعل نظرة فاحصة إلى صورة الحال عما يحدث في مصر
من إجراءات ضد المرأة الأم المنجبة لبنت يوضحها إحصاء تبناه الجهاز
المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في القاهرة إذ جاء فيه:
(إن عدد حالات الطلاق في سنة 2000م بلغ (65) ألف
حالة وفي سنة 2001م بلغت حالات الطلاق (70) ألف حالة وقد جاء عدد حالات
الطلاق تحت هذين الرقمين المتصاعدين على خلفية إنجاب البنات.
طبيعي أن معرفة عقلية الخاطب للفتاة لا يتم
اختبارها بمثل هذه الأمور كونها مسائل سابقة لأوانها ولكن مع هذا فبعض
المطلقين يتحججون بأنهم في حالة توق إلى الولد ليحمل اسمه من بعده وهي
حجة تتنافى مع (وعد) الله سبحانه وتعالى الخالق للبشر هذا من باب لو تم
التيقن أن مجيء الطفل إلى الحياة هو رزق كريم من الباري عز وعلا
للعائلة.
بديهي أن الأفكار التي تحمل الاستهانة بالمرأة
المنجبة لبنت دون أي أرادة منها فيها الكثيرة من الإجحاف بحقها ولعل
مثل هذه النظرة المتخلخة عند بعض الرجال في مصر قد أدت إلى طلاق (10)
آلاف امرأة أم لم ينجبن أطفال ذكور ولعل من الجانب الأكثر مأساوية أن
الأحوال حول هذه المسألة قد بدأ يأخذ اتساعاً سلبياً آخراً حيث بدأت
حوادث سرقة المواليد للأطفال الذكور من بعض الأمهات بعيد لحظات من
إنجابهن تتم لإلحاق هؤلاء الأطفال بأمهات أخريات والدات أيضاً للتو
يتعرضن إلى إبدال بناتهن بأولئك الذكور بأحد المستشفيات وبعد ساعات من
إفاقتها نظرت حولها لتبحث عن طفلها فلم تجده، وبعد البحث والتدقيق تبين
أن سيدة كانت تقيم مع شقيقتها تنتظر أحدث مولود ذكر لتقوم بخطفه
وتقديمه هدية لشقيقها التي يهددها زوجها بالطلاق بعد أن أنجبت له (5)
بنات واتفقت معها على أن تقوم بخطف طفل حديث الولادة بدلاً من البنت
التي أنجبتها للمرة الخامسة.
إن تشخيص الحالة الاجتماعية المتعلقة بضرورة
تقبل إنجاب البنات لدى كل أسرة مسألة تحتاج إلى مزيد من التوعية
الدينية والثقافية والتيقظية للضمائر عند الرجال المتزوجين وخصوصاً في
البلدان التي تعاني خللاً جراء هذا الموضوع الذي لا يستحق أن يطرح
كمشكلة. |